12 سبتمبر 2025
تسجيلما دام الإنسان إنساناً فإنه مُنحازٌ وينحاز لجهةٍ ما، قد يكون في تلك الجهة مبدأ أو قناعة أو عقيدة ما أو مشاعر معينة، فالإنسان بطبعه يتخذ موقفاً من الوجود والأحداث والآخرين فيبدأ عنده الانحياز، المشكلة تكمن في ان الواحد منا حين ينحاز فإنه يؤمن بما انحاز له بغض النظر عن صحة أو خطأ ذلك، فمثلاً اذا انحازت مشاعرنا لشخصٍ ما نراه افضل الناس وان كانت عيوبه عديدة وان حملنا مشاعر غضب أو كره نحو احدهم تغاضينا عن مميزاته التي قد تكون عديدةً ولا تُحصى بمعنى (اذا حبّتك عيني ما ضامك الدهر) هذا المثل الخليجي الذي نتفاخر به اذا فضلنا شخصاً رغم علمنا بعدم استحقاقه لهذا التفضيل أو المكانه أصبح لدى البعض بمثابة قاعدةٍ حياتية "للأسف". ودعونا نتفق بعد هذه البداية التي نتشابه فيها انه لا يوجد انسان بلا موقف مبدئي وبلا انحياز اخلاقي او عقيدي ودون مسلّمات اولية تحدد له من يحبه ممن يعاديه بلا حب أو كره أو تأييد ومخالفة، والسؤال هل ينطلق الانحياز من مشاعرنا فقط دون ان يتحكم في توجهاتها العقل والمنطق. لكلٍ منا معيار يفرز التصرفات والأقوال ويحكم بينها، اذا جميعنا لا تسلم عقولنا البشرية من "الانحياز التأكيدي" نعم، نعم انا مثلك توقفت كثيراً لأعي معنى ما حُدد بين قوسين، فهو الميل للبحث عن تغيّر وتذكّر المعلومات بطريقةٍ تتوافق ومعتقدات او افتراضات الفرد، بالمقابل لا يولي انتباهاً مماثلاً للمعلومات المناقضة لها وهو بالضبط ما نمارسه يومياً من عادات متجذرة في شخصيتنا كالثقة المبالغ فيها بالمعتقدات الشخصية مقابل تقويتها في وجه الأداة المعاكسة لها. ولو عدنا لذواتنا قليلاً سواء كنا شباباً أو جاهدنا السنوات وأجهدتنا فجميعنا نعتقد ان افكارنا ومعتقداتنا نتاج سنوات الخبرة والتحليل الموضوعي للتفاصيل المتوفرة لدينا وقد نرفض بشكلٍ قاطعٍ الاعتراف ان عواملَ عديدةٍ تلعب دوراً في تشكيل افكارنا وتكوين معتقداتنا، فمثلاً في عالم الرياضة وتحديداً في كرة القدم وبدافع التعصب لفريق رياضي نرفض رفضاً قاطعاً الآراء المشككة في بطولاته واداء نجومه ونفضل ان نتذكر انتصاراته مع تجنّب عثراته بل وتحليل واقعه بناءً على انحيازنا المبني على مشاعر اعتزازنا بهذا الفريق أو انتمائنا له. كم واحدٍ منا الآن وهو يقرأ ركّز تفكيره على ما ينحاز اليه من فكرةٍ او معتقد او حتى مشاعر خاصةٍ تجاه شخصٍ ما في محيطه؟ اذاً افكارنا ومعتقداتنا تستند غالباً على الاهتمام والإيمان بمعلوماتٍ تدعم افكارنا المتواجدة من قبل وبالمقابل نميل لتجاهل المعلومات التي تتحدى وتعارض معتقداتنا القائمة. انا اعلم الآن انك تضرب اخماساً في اسداس وتحاور نفسك بصوتٍ اشبه بالهمس يقول وما المشكلة في ان اكون شخصاً منحازاً ؟! لا يا عزيزي القارئ فهي ابعد من ذاك فحين ننظر للموضوع بتأثيراته الكبيرة لا التفاصيل الصغيرة نعي ان التأثيرات ستمتد للمجتمع فعلينا اذاً ان نقر بأننا مصابون بالانحياز التأكيدي او قد نُصاب به فهذا الإقرار يساعدنا على التعامل معه بطريقةٍ واعية لنكون اكثر انفتاحاً على اختلافاتنا وتعايشنا وعليك ان تكون حيادياً لا منحازاً والحياد هنا في الحكم بالمنطق لا التفكير به فقط. ولعل الانفتاح الرقمي الذي جعل العالم قريةً صغيره عبر تصفح الإنترنت يلعب دوراً في ترسيخ انحيازاتنا التأكيدية وقد تتساءل عزيزي القارئ ما علاقة الانترنت بسطوري !؟ لا بأس من حقك السؤال وواجبي ألا أترك باب التساؤل مفتوحاً على احتمالاتٍ لا تُحمد عقباها. اذاً فالمشكلة تكمن اننا اعتدنا البحث عما يؤكد قناعاتنا المسبقة فقط أو متابعة ما يتوافق مع افكارنا ومواقفنا، وكأننا نبحث عن ملاذٍ آمنٍ يحمي قناعاتنا الشخصيه فنحن وللأسف نؤمن اننا على حق مطلق في جميع الموضوعات مما يجعنا معرضين اكثر للوقوع في فح الانحياز التأكيدي وهو ما يسبب الكثير من خلافاتنا الفردية والجماعية. بالتالي علينا أن نقرر بعزمٍ ألا نبقى سجناء اعتقاداتنا وآرائنا المبنية على انحياز مباشر قد يكون ظالماً أو غير منصف. أخيراً.. لنتحرر من مأزق التحيّز والانحياز. [email protected]