10 سبتمبر 2025
تسجيلما إن أعلنت النتائج الأولية للانتخابات العامة في تركيا، والتي أظهرت نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات والتعثر في تشكيل الحكومة التي يقودها رئيسه أحمد داوود أوغلو، حتى تسابقت وسائل إعلام التخلف السياسي والديمقراطي التلفزيونية العربية إلى الغمز من قناة الحزب والتعليق على ما أسموه النتائج المتوقعة للحزب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يعد الرئيس الأكثر إثارة للجدل في تاريخ تركيا الحديث والشرق الأوسط، وكأن حزب العدالة قد حصل على عشرة مقاعد فقط، بل أكثر من ذلك فإن مذيع إحدى المحطات الإخبارية قاطع مراسلة من قلب الحدث، حيث كان يشرح ما حصل، ليزج بجملة معترضة مفادها،علينا أن نتذكر أن سياسات الحكومة التركية والحزب وقيادة أردوغان قد جعلت الناخب التركي يعزف مسبقا عن انتخابهم والبحث عن خيار آخر!!تركيا التي قادها حزب العدالة والتنمية منذ ثلاثة عشر عاما، وبفضل الرؤية الإسلامية التقدمية العصرية للرئيس التركي طيب رجب أردوغان، ودون مغالبة أو حصد أرواح لآلاف البشر، ولا لسجن المعارضين والحكم عليهم بالإعدام بتهم غير موجودة في القانون الجنائي، وبفضل نظرية حكم الإسلام السياسي المعتدل الذي يمثله الحزب، قفزت تركيا من قائمة التخلف السياسي وحكم العسكر والفقر والتدهور الاقتصادي واستشراء الفساد في كل النواحي، إلى مصاف الدول الأكثر تقدما وتطورا سريعا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، حيث حصل الأكراد لأول مرة على كتلة برلمانية بأصوات ناخبيهم دون حسد ولا تآمر بل بالإدماج والاستيعاب، وحصل اليسار والعلمانيون على ما أثبت أنهم ليسوا أغلبية أبدا.تركيا اليوم ليست تركيا الماضي، وحتى إن تراجعت نسبة النجاح لحزب أوغلو وأردوغان، فإن ذلك ليس دليلا على أن النهج الذي استمر ما يقارب عقدا ونصفا من التطور والتقدم في تركيا هو نهج غير صالح، بل إن ذلك يثبت أن تركيا بشعبها وناخبيها إذا ما اختاروا يوما العودة إلى الماضي المتخلف الذي كان قادة الجيش يتحكمون به، والأتاتوركيون يحرضون عليه، فإنهم سيجنون على أنفسهم بالإعدام السياسي والاقتصادي معا، وهذا ما يفهمه الشعب التركي الذي وقف بقوة مع سياسات حزب التقدم والعدالة طيلة السنين الماضية، رغم المآخذ على بعض السياسات غير المرضية التي اجتهدت فيها مؤسسة الرئاسة والحكومة.إن العملاق التركي الإسلامي الذي بات يمد عنقه إلى أوروبا المسيحية كان بلا شك كابوسا مزعجا للاتحاد الأوروبي المسيحي الغربي الموالي بنسبة كبيرة لسياسات الولايات المتحدة المسيحية المتجددة أيضا، ولذلك علت خلال السنوات الماضية أصوات السياسيين المؤثرين والأحزاب اليمينية وقوى الضغط في دول أوروبية لرفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ووضعت لها معايير خاصة وشروطا سياسية واقتصادية واجتماعية قاسية أمام انضمامها، وأحد أهم أسباب الرفض هو الحزب الإسلامي الحاكم، وسياسات أردوغان المعلنة التي يدافع فيها عن النهج الإسلامي في مناحي الحياة، ولهذا اشتغلت المؤثرات الإعلامية والمؤسسات المدنية الغربية بشكل مكثف داخل المجتمع التركي للتحريض ودعم الغوغاء بهدف النيل من الرجل والحزب.إن الشحن الإعلامي والضخ الإخباري الكاذب الذي لا يستطيع فهمه سوى الخبير في الصناعات الإعلامية والسياسية والتي كانت تنال من سمعة الإسلاميين في تركيا ومن شخصية الرئيس أردوغان، ومحاولة تصغير حجم رئيس الوزراء داوود أوغلو وضرب الأسافين بين الرجلين، واتهام الحكومة التركية أنها تسببت بتراجع اقتصاديات تركيا، لم تكن بريئة إطلاقا، ولهذا تناولت صحافة السلطة العربية والصحافة اليمينية الغربية مؤسسة الحكم في تركيا بالكثير من الانتقادات ولعل أكثرها افتراءات وأكاذيب، أما خصومه من الداخل فلم يتركوا شاردة ولا واردة إلا ركبوها لينالوا من الرجل، وليس آخرهم زعيم حزب الشعب الجموري "كمال كليتشدار" الذي روج لقصص مضحكة مثل امتلاك أردوغان لأثاث منزلي وأوان وأكواب مطلية بالذهب جميعها، والعديد من قصص الغرف والقصور.عموما على من لا يزال يضع رأسه في صندوق حديد صدئ من الزعامات العربية أن يحاول كسر القفل الذي حبس رأسه فيه، وأن يخرج منه، وأن يقرأ في كتاب السيرة التركية الحديثة وحكم الإسلام المعتدل الذي رسخ مفاهيم الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي بناء على مفاهيم متطورة للشريعة الإسلامية، ولم يقتل أو يحارب الخصوم ممن تكلّسوا في كهوف العلمانية المتخلفة التي أنشأت شجرة الفساد الكبيرة والتسلط والقمع الذي عانت منه تركيا والشرق العربي الجمهوري والملكي أيضا لسنوات طويلة منذ سقوط الخلافة الإسلامية قبل تسع وتسعين عاما، وعلى القادة السياسيين والمنظرين للسلطة العربية أن يفهموا أن العالم يتغير حتى في "تركيا أردوغان"، وهناك من يقول لا للسلطة الأفضل أيضا، ومع هذا لا تتحرك المشانق والسجون والدبابات للتخلص منهم.