13 سبتمبر 2025
تسجيلتؤثر الثقافة في عقول البشر وطرق تفكيرهم وتحدد مسارات حياتهم. وإذا سنحت لنا الفرصة لتصنيف الثقافة إلى أنواع، فان النوع الأهم والأكثر تأثيراً في حياة المجتمع هو ثقافة العمل، أو بمعنى أدق تصورات أفراد المجتمع لطبيعة العمل واختيار الأنسب منها ليناسب طبيعة الإنسان العامل نفسه. والحقيقة التي يعلمها الجميع ان العرب اتخذوا التجارة عملاً منذ قديم الزمان، فعمل فكرهم وتطوّرت وتوسعت تصوراتهم وخططهم حتى اصبح يضرب بهم المثل في التجارة لذكائهم وبراعتهم وحكمتهم. وكان الإنسان العربي مرتبطا بواقعه ارتباطاً وثيقاً لانه كان يعرف أهمية ذلك في تجارته وتنشيطها، ولم يستثن من ذلك الأغناء والأثرياء الذين كانوا هم الآخرون حريصين على الانخراض في الواقع الميداني وعدم الركون الى الغرف المغلقة لإنهاء أعمالهم وتجاراتهم النشطة. لكن وبعد ثورة النفط التي غيّرت وجه العالم، طُبعت صفات جديدة على ابناء وطننا.. صفات لم تكن موجودة من قبل ولم يعرفها احد ورافقت هذه الصفات أنماط عمل تختلف عن الماضي وتقوم على الاتجاه إلى العمل المكتبي وداخل اروقة المؤسسات المغلقة لثلث اليوم تقريباً، وكان لذلك تأثيرات كبيرة في تغيير عقول المواطنين. إن العمل المكتبي يحمل بين طياته الكثير والكثير وينظر راغبوه في الإيجابيات فقط مثل الراحة وعدم التنقل والاستقرار، لكنه لا يلتفت الى السلبيات الناتجة عنه مثل البعد عن الواقع ودراسته ومعايشته ودراسة الأشياء في صورتها العملية والحقيقية والطبيعية، كما هو الحال بالنسبة للعمل الميداني في قلب الشارع والبر. ان الفروقات بين العمل الميداني والمكتبي متعددة لكن النوع الأول وهو العمل الميداني يزيد من الخبرة العملية للفرد نتيجة تعدد التجارب التي يمر بها والخبرات التي يكتسبها على أرض الواقع والتي يستحيل ان يكتسبها المواطن، ان كان يعمل داخل جدران صماء لا تنبض بالحياة ولا تضيف أية معلومة إلى المواطن العامل. والمراقب لمعظم المواطنين يلاحظ امراً غريباً وهو بحث أغلب المواطنين عن العمل المكتبي والهروب المتعمد من العمل الميداني رغم فوائده.. والسؤال الآن.. ألم يحن الوقت لنغير ثقافتنا عن العمل ونتّجه للميداني منه؟.. ام ان الخوف من المشقة والنصب يمنعنا من ذلك حتى وان كانت هذه المشقة ممزوجة بالخبرة والمعرفة؟!