20 سبتمبر 2025
تسجيلأعادت تغطية بعض وسائل الإعلام الغربية للانتخابات التركية الحديث القديم الجديد عن حيادية وموضوعية وسائل الإعلام بشكل عام، والغربية منها بشكل خاص، لاسيما وأن بعض وسائل الإعلام هذه كالإيكونوميست البريطانية واللوبوان والإكسبريس الفرنسيتين وغيرهما، بالإضافة إلى دير شبيغل الألمانية وعدد من الصحف الغربية قد أدلوا بأصواتهم قبل عشرة أيام من انطلاق الانتخابات التركية، يوم نشروا صور أردوغان واصفين إياه بالديكتاتور والمستبد وأن عليه أن يرحل، وعلى الشعب أن يصوت لهذا الرحيل، بينما قامت دير شبيغل بتصوير الهلال الموجود على عرش السلطنة الذي يجلس عليه أردوغان وهو مكسور، وكذلك كرسي العرش. نفهم تماماً أن تقف صحف غربية مع مرشحها الانتخابي ضد مرشح آخر، كما اعتادت الصحف الأمريكية وغيرها من الصحف الغربية، ولكن من الصعب أن نفهم وقوف صحف أجنبية لا علاقة لها بتركيا مع مرشح ضد آخر، بل ووصفه بأقذع الأوصاف، في الوقت الذي تغض الطرف عن طغاة ومستبدين أجرموا بحق شعوبهم لسنوات وعقود، دون أن يتحدثوا عنهم أو يتطرقوا إلى جرائمهم وهم الذين أتوا على ظهور دبابات أو بدعم خارجي يعرفه القاصي والداني.الانتخابات التركية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها ليست تركية، وإنما غدت انتخابات عالمية حيث الكل يترقب نتائجها، وينتظر ما ستُسفر عنه، بعد أن باتت أمنية الكثير من الغربيين وإعلامهم تغيير أردوغان، ونجاح منافسه، لكن كل المؤشرات واستطلاعات الرأي لا تسعفهم في تحقيق هذه الرغبة، وهذا الحلم، لكن بالمقابل نرى بعض الإعلام العربي المنساق وراء هذه الحملة المعادية لأردوغان وحزب العدالة والتنمية، وداعياً إلى رحيله والتصويت ضده، مما يثير قضية مهمة لدى إعلامنا، وهي فقدان الهوية، وفقدان الالتحام بقضايانا، وهذه ليست قضية جديدة عن هذا الإعلام، بعد أن رأينا وعايشنا كيف انساق الإعلام العربي وراء أكاذيب الإعلام الغربي في الترويج لوجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، وكذلك ربط الأخير بالقاعدة وهو الأمر الذي كلف العراق وكل العرب والعالم كله كل هذه المآسي، ليثبت لاحقاً كذب كل هذه الادعاءات. ومن قبل رأينا كيف صوَّر الإعلام الغربي ومعه كثير من الإعلام العربي ما جرى في أفغانستان، وما جرى ويجري في فلسطين، بحيث تم حجب الحقيقة عن الشعوب، وهو ما تدفع ثمنه الشعوب، وسندفع ثمنه مآسي وأضرارا بشرية، كنا في غنى عنها لو قام الإعلام الغربي والعربي بدوره في الجرأة بتبيان الحق والحقيقة، وعدم مساراة ومجاراة أصحاب الهوى والأغراض من الحكام، ومعه عدم الانصياع إلى آراء السياسيين الذين يسعون إلى تجميل مواقفهم وسياساتهم، والتأكيد عليها من خلال ترويجها عبر وسائل الإعلام، فيدفع الثمن السياسي الشعوب ومعها تدفع الثمن المؤسسات الإعلامية، تدفعها من مصداقيتها ومقبوليتها لدى الناس، وقد رأينا بأمّ أعيننا كيف أن أجهزة أمنية غربية فقدت الكثير من مصداقيتها لتورطها في ترويج أكذوبة الدمار الشامل في العراق، ومعها أيضاً دفعت الثمن وسائل الإعلام الغربية التي لا يوجد حتى الآن استطلاعات للرأي تظهر حجم الضرر الذي لحق بها من جراء تلك التغطيات المنحازة. ما ينبغي التأكيد عليه، واستقاء الدروس والعبر منه اليوم، هو أن يكون الإعلامي عربياً أم غربياً منحازاً للحقيقة فقط، وليس لغيرها، وهذا الانحياز يعزز مكانة المهنة أولاً، ويعزز مكانة الحقيقة، ويعزز بالتالي ثقة الناس بالمؤسسات الإعلامية، ويعيد مكانة الأخيرة، إلى سابق عهدها ووظيفتها الأساسية، في مراقبة السلطات الثلاث بشكل حقيقي وواقعي، وبشكل أشبه ما يكون بالبرلمان الشعبي، ولكن برلمان مفتوح، يشارك فيه الجميع، ويحاسب السلطات كلها، وعلى الهواء مباشرة.