20 سبتمبر 2025

تسجيل

الحرب على الفساد رسالة أم منهج؟

09 مايو 2021

حدث لم تعهده قطر من قبل، أمر بالقبض على وزير المالية والتحقيق معه في عدد من الاتهامات، لست هنا بصدد إصدار أحكام أو اتهام الرجل الذي اختير قبل أشهر قليلة كأحسن وزير مالية في منطقة الشرق الأوسط على ما أظن، فالأمور لا تزال في سياقها القانوني، أنا هنا بصدد رصد ردود أفعال الشارع القطري حول هذا الحدث اللاسابق له، رغم أنه قبل أشهر مضت تم التحقيق مع مدير المرور السابق وعدد من المتهمين بالفساد وسوء استغلال الوظيفة، ولكن المستوى المعلن عنه حالياً يمثل منحنى يجب التوقف عنده لفهم ما يرمز إليه. تعود المجتمع عبر عقود طويلة الحديث عن الفساد إلى درجة أن الحديث عنه أصبح مملاً، بل وأصبح التكيف معه أمراً طبيعياً، ليس هناك مجتمع يخلو من الفساد، لكن ما تعود عليه مجتمعنا أنه على الرغم من ذلك يخلو من الفاسدين، كمصداق في الواقع لظاهرة يشعر بها المجتمع، ولكن هو أعجز عن الإشارة إليها في الواقع، ما حصل الآن هو أن النطاق المركزي للمجتمع مع هذه القرارات انتقل من الإخفاء والتستر لأسباب كثيرة منها الشخصي ومنها الرسمي إلى الكشف والإفصاح، وهذا يدل على أن ظاهرة الفساد وصلت إلى مرحلة تهدد وجود الدولة والمجتمع، وبالتالي لابد من مواجهتها مباشرة، التحقيقات ستأخذ مجراها، ولكن ما يهمني أن المجتمع سينتقل معها انتقالاً نوعياً لا يمكن الرجوع عنه، وهو التصدي المباشر للأشخاص، ومن المؤمل كذلك أنه سيصبح سلوكياً في وضع يفرز بين الفاسد والصالح، ولا يعيش سديم العلاقات في الظاهر وحديث الاتهام في الباطن. يبقى السؤال المهم هنا، هل مثل هذا التطور في محاربة الفساد رسالة أم مبدأ؟، هل نطاق الدولة المركزي انتقل فعلاً نحو إعلان الحرب على الفساد أم أن هناك ظروفاً أدت إلى هذا الانتقال بشكله العنيف الحالي؟، ثم يعود إلى المهادنة تعللاً بخصوصية المجتمع ومبدأ الستر الذي أمر به الدين انتقاءً، ناهيك عن مكافحة الفاسد أو العمل على تدويره كما كان يحصل في السابق، أنا شخصياً كلي تفاؤل برغبة سمو الأمير الشيخ تميم في مكافحة الفساد واقتلاع الفاسدين، وكلي أمل أن يصبح ذلك مبدأً لا تحيد عنه الدولة. في اعتقادي أن الربيع الخليجي هو ربيع مكافحة الفساد والقضاء على بؤره وشخوصه، الفساد ومن هم يمثلونه بدأ يهز أركان الدولة في الخليج بالذات بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، الشواهد كثيرة في هذه الدول، هناك احتضار لمؤسسة الدولة في المنطقة أمام تعاظم ظاهرة الفساد المالي وهدر واضح للأموال العامة، وهناك ترقب عالمي واضح بأن هذه المنطقة أصبحت مرتعاً لغسل الأموال والتجارة المحرمة، وبالتالي هي عرضة للقانون والاستباحة والتدخل. أسأل الله أن يحمي قطر، وأن يأخذ بيد أميرها الشاب في مكافحة الفساد ومن يستغل قوت الشعب وأمواله، وأنا على يقين أن كل أفراد المجتمع القطري مع سموه في هذا الاتجاه، فهو كما أعاد البسمة للغارمين قادر بعون الله وبالتفاف الشعب معه أن يعيد الحقوق لأصحابها وأن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب. عندما تشير إلى الفاسد أنت تحقق مبدأ، ولكن عندما تتحدث عن الفساد فقط أنت توجه رسالة إلى الداخل وربما إلى الخارج تكسب فيها بعض الوقت ولكن لن تصل إلا في حالة أن تصبح مبدأً ينطلق من مركزية مجتمع يؤمن بها تمام الإيمان، حفظ الله قطر من كل مكروه. [email protected]