20 سبتمبر 2025
تسجيليمثل البدع التقاء الفريج بشاطئ البحر، ينشئ علاقة متفردة بين حيوية الفريج وسكون البحر، ذلك الشارع الممتد من بيت الأمير الأب، الذي أصبح "الديوان الخاص" فيما بعد نزولا حتى شاطئ البحر الذي أصبح جزءاً من كورنيش الدوحة الممتد على طوله بمحاذاة ذلك الساحل الجميل. بيوت البدع المتداخلة وعوائل البدع المتجانسة المتحابة كانت تمثل بيئة صالحة لنا الأطفال القادمين طمعاً في "العيدية" وفرحها بجمعها في أيام الأعياد، نبدأ بالمعارف والأقرباء ثم يصبح الجميع أقرباء ومعارف. لازلت أذكر بيوت أهل البدع من عوائل قطر الكريمة، العطية، والسودان، والسبيع، والربان، والعلي والمعاضيد، وغيرهم مما لا تسعفني الذاكرة اليوم باستجلابهم إلى لساني. الشىء المختلف في البدع عن غيره من الفرجان الداخلية وفرجان الضواحي هي التصاقه بشاطئ البحر ولازلت أذكر تضاريس ذلك الشاطئ المثالية "للحداق"، الأمر الذي يجعل من العيد أيضا بالنسبة لنا نحن القادمين من الريان لزيارة ومعايدة الأقارب فرصة سانحة للحداق أو لتعلم الحداق، فلا نرجع إلا مع المغرب وغالبا بخفي حنين بعد أن أنفقنا ما جمعنا من "عيدية" على شراء الخيوط والييم "الطعم" لصيد السمك والباقي على شرب الشاي والسندويشات في دكاكين البدع وبقالاته القديمة. العشرون أو الخمسون روبية أو ريالات قطر ودبي كانت كفيلة بأن تجعل من أعيادنا احتفالات ومباهج؛ كان الإنسان أكبر من الفلوس وكانت العلاقة الروحية أسمى من الأجسام المادية وكانت التكاسي الصفراء، أكثر التصاقا وحميمية من البنتلي والجاكوار. " البدع" منطقة تاريخية،عجت عبر الزمن بكثير من الأحداث المهمة في تاريخ قطر، وبها مجتمع نخبوي، من الحاضرة، أو أنه أكثر الفرجان نخبوية. تأتي منطقة البدع بين منطقة الرميلة، ومنطقة الجسرة، وكلتا المنطقتين كانت سكنا لمزيج متناغم من أهل قطر جميعا، ويمثلون جميعا ثقل منتصف الدوحة، حيث الديوان الأميري وبيوت الشيوخ بمعنى أن إزالة هذه المنطقة السكنية يفقد الدوحة هويتها الأصيلة وتبقى الأطراف فقط بلا قلب، التاريخ كان أغنى من الجغرافيا،عندما كان البدع قائما بمن فيه كنت أرى كثافة ملحوظة، وبعد أن ازيل وجدت مساحة من الأرض تبدو صغيرة جدا مقارنة بمن سكن فيها، فأيقنت أن التاريخ حضور وليس مساحة، وفعل وليس إزاحة. "قديمك نديمك لو الجديد أغناك". [email protected]