18 سبتمبر 2025
تسجيلذكر التقرير العربي للتنمية المستدامة ، الذي أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ( الأسكوا) أن مستقبل سكان المنطقة العربية ضبابي، بحكم أحداث العنف التي تجتاح عدة بلدان عربية ، ما أدى إلى فرار الملايين من بلدانهم اتقاءً لذلك العنف. كما أن ملايين آخرين واقعون بين مطرقة نظام استبدادي أو احتلال، وبين الأوضاع الاقتصادية المنهارة ، والتي تجعل مواطني تلك الدولة تحت خط الفقر ، ناهيك عن ضمور سياسات التوسع السكاني ، ما يمكن أن يُشكل ضغطاً على الجهود الدولية للمحافظة على البيئة وعلى المصادر الطبيعية على السواء.كما أشاد التقرير بتحسن مستوى الخدمات الصحية ، مما رفع متوسط العمر إلى ما فوق المتوسط العالمي ، كما أدى التعليم إلى زيادة أعداد الملتحقين بالمدارس ومحو أمية الكبار، خصوصاً بين النساء.وكان واضعو التقرير قد طرحوا عدة قضايا ، منها :-أين تقع المنطقة العربية من أهداف التنمية المستدامة؟ وماذا كانت اتجاهاتها على مدى العقدين الماضيين ، وما الذي يعوق التنمية المستدامة ، وإلى أين تتجه المنطقة؟.(انتهى).رغم المسوغات والتوجهات التي شملها التقرير الذي وقع في أكثر من مائتي صفحة ، إلا أننا نعتقد بأن الحلول لتلك الأسئلة الحيوية والمباشرة تتلخص في الآتي:- أين تقع المنطقة العربية من أهداف التنمية المستدامة؟ وللإجابة على هذا السؤال، لا بد لنا من الوقوف على مفهوم التنمية – في أغلب البلاد العربية- وهو مفهوم مطاطي وغير ثابت وتتقاذفه المصالح والمقاربات الاجتماعية ، والمجاملات السياسية التي تنهك الاقتصاد الوطني ، وتؤسس لمجموعات " الكارتلات" التي لا يهمها الوطن ولا المواطنون ، وتعمل تلك " الكارتلات" في نسق مع الحكومات وممثليها ، مع كل ما يصاحب ذلك من مجاملات وعطايا تكون على حساب التنمية . ولدى البعض تفاسير غريبة حول المفهوم ! فهم يرون أن التنمية الإسمنتية دليل تنمية ناجحة !؟ لذا ، يرون في إقامة المولات والأبراج نماذج تُحتذى للتنمية الناجحة ، في الوقت الذي يتم فيه تهميش الإنسان، الذي هو أساس كل تنمية . فإذا كان جلُّ ميزانيات الدول العربية يذهب إلى شراء الأسلحة وعمولاتها!؟ وإلى " الصرف" الخفي الذي لا يُعلن بشفافية ، ولا يدري أحدٌ بمصيره، فذلك لا يصبُّ في التنمية. وإذا كان المفهوم "العشائري" يتسيد التنمية ويُنفِّذ مشاريعها ، فإن الكثير من الهدر يصيب ثروات البلاد العربية ، ويحرم الأغلبية – التي لا تدخل هذه اللعبة – من حقوقها في ثروات بلدانها . إن المنطقة العربية تعمل على مداواة جروحها فقط ، بل وما يتم " جرحهُ" خلال تلك التنمية الجوفاء التي تُطبق في أغلب الدول العربية ، وسط استثناءات محددة ، لربما في بعض دول الخليج ، فإن هذا "التطبيب" لا يصبُّ هو الآخر في التنمية. لم يسأل أحد عن اتجاهات التنمية في المنطقة العربية ، بل ولا يُسمح بنشر الأرقام التي وُظفت في التنمية ، ولا تلك التي ضلَّت طريقها نحو الميزانية ، أو دخلت جيوب "الحاشية" قبل أن تصل إلى البلاد. كما أن الإعلام – بكل ضجيجه وصراخه – لا يناقش هذا الموضوع، كما هو دأبه على تقديم الفنانات أو السباقات أو نقل حفلات المواسم التجارية الفنية، والتي تمثل مظهراً استهلاكياً لا حدود له .- بالنسبة للسؤال الثاني : ما الذي يعوق التمنية المستدامة ؟ فالأمر جليّ ، إنه غياب الشفافية والمساءلة ، في ظل أنظمة تُعلن ديموقراطية مظهرية ، دون أن تلتزم بها. نعم ، فمعظم الدول العربية يسودها الاستبداد سواء عبر حاشية القصر أم عبر الأحزاب في بعض الدول ، بينما تعيش الأغلبية " الصامتة" في فقر مُدقع ، وفي أوضاع اقتصادية وثقافية متدنية. وحتى في الدول التي لديها برلمانات مُنتخبة نجد الصراع والاشتباك حاضراً عند مناقشة مسائل التنمية أو معوقاتها ، وتلجأ تلك الحكومات إلى تعطيل تلك المجالس وإجراء انتخابات جديدة، وبعض الدول العربية يُفصّل الديموقراطية حسب المذاهب أو شكل تركيبة المجتمع. وما يعوق التنمية أيضاً عدم وجود رؤى واضحة للتنمية ، وسعي الدول إلى تحقيق ما تراهُ صائباً ؛ حتى لو لم يكن كذلكّ؟ مع إبعاد المؤهلين الحقيقيين، بل والوطنيين الذين يحبون أوطانهم عن القرار، بحيث يبقى في الصورة أشباهُ المواطنين ، الذين لا يفكرون إلا " بحلب الوطن"! كما أن العديد من الأنظمة العربية لا يلتفت لأفكار ورؤى المستنيرين ، بل قد توجّه "العينُ الحمراء" لهؤلاء الوطنيين.- أما بالنسبة للسؤال الثالث : " إلى أين تتجه المنطقة ؟ فالجواب الأقرب والمُختصر هو (المجهول).نعم ، ففي ظل اختلال العلاقة بين الوطن والمواطن في أغلب البلاد العربية ، وفي ظل صراع الأقليات لنيل حقوقها ، وصراع المتنورين لوضع التنمية على المسار الصحيح ، وفي ظل الصدام الحاصل بين (الصواب) وبين (الخطأ) في إدارة الأوطان ، وفي ظل الصراع والاشتباك في دول الجوار العربي ، وفي ظل تهديدات خارجية ، وضعف اقتصادي ، وحروب ونشاطات عصابات متطرفة، في ظل كل ذلك، فإن المجهول هو الجواب الأمثل لذلك السؤال.