10 ديسمبر 2025
تسجيلأعلنت وكالة التصنيف الائتماني «فيتش» عن رفع النظرة المستقبلية لدولة قطر إلى إيجابية. ويشير ذلك إلى وجود احتمالات قوية لرفع التصنيف الائتماني لدولة قطر AA– بمقدار درجة واحدة، أو ربما درجتين إلى AA+، في غضون عام أو عامين. ويُعد هذا التصنيف تأكيدًا مستقلاً على أن الأسس والتوقعات الاقتصادية للبلاد قوية، ويُمثل مكافأة عادلة لسياسات الحكومة المتعلقة بالتخطيط الإستراتيجي طويل الأجل، والاقتراض من أجل الاستثمار فقط. وقبل ثلاث سنوات فقط، بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 85 ٪، نتيجة انخفاض أسعار النفط والغاز بالإضافة إلى الإنفاق على مشاريع البنية التحتية استعدادًا لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. وقد انخفضت هذه النسبة منذ ذلك الحين إلى 45 ٪، ومن المتوقع أن تنخفض إلى 42 ٪ في عام 2024، بينما تشير تقديرات وكالة فيتش إلى أن صافي الدين الخارجي بلغ 13 ٪، بانخفاض من 30 ٪ في نهاية عام 2021. وأشادت الوكالة باستخدام الحكومة القطرية لفوائض الميزانية في سداد الديون. ويُعد التصنيف الحالي لدولة قطر AA- رابع أعلى تصنيف من أصل 20 تصنيفًا على مقياس فيتش. ويمكن أن يجذب هذا التصنيف الائتماني المرتفع المستثمرين الباحثين عن تحقيق عوائد جيدة مع التعرض لمخاطر منخفضة. وتجدر الإشارة إلى أن وكالة فيتش هي واحدة من أهم ثلاث وكالات للتصنيف الائتماني في العالم، إلى جانب وكالتي ستاندرد آند بورز وموديز. وهناك نقاط قوة أخرى في قطر حددتها وكالة فيتش؛ فقد ارتفع الفائض السنوي في الميزان التجاري بنسبة 2.9 ٪ إلى أقل قليلاً من 23 مليار ريال قطري في شهر فبراير 2023. وتبلغ قيمة الصادرات أربعة أضعاف قيمة الواردات تقريبًا، بحسب الأرقام الصادرة عن جهاز التخطيط والإحصاء. وقد أشارت وكالة التصنيف إلى توسع إنتاج حقل الشمال من الغاز الطبيعي المسال، الذي من المفترض أن تؤدي الإيرادات الناتجة منه إلى خفض سعر التعادل المالي للنفط في ميزانية الدولة إلى أقل من 50 دولارًا للبرميل بحلول الفترة ما بين عامي 2026- 2027، بانخفاض من 57- 58 دولارًا في الفترة بين عامي 2023- 2024. ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج الغاز الطبيعي المسال في البلاد من 77 مليون طن سنويًا إلى 126 مليون طن خلال هذه الفترة. وقد جاء هذا الإعلان قبل ارتفاع أسعار النفط نتيجة إعلان المملكة العربية السعودية في أوائل شهر أبريل عن خفض إنتاج النفط من قبل الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). ويُقدر فائض الموازنة الحكومية بنسبة 10 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وتمتلك الدولة أصولاً أجنبيةً كبيرةً، ونصيبًا مرتفعًا من الناتج المحلي الإجمالي للفرد. وستظل الدولة تتمتع بالقدرة على تحويل مبالغ كبيرة إلى جهاز قطر للاستثمار، صندوق الثروة السيادي في البلاد. ومن بين المؤشرات السلبية التي أشارت إليها وكالة فيتش أن الديون سجلت مستوى أعلى من نظيراتها في دول الخليج الأخرى، وإن كانت منخفضة بالمعايير الدولية؛ مع الاعتماد القوي على الهيدروكربونات وضعف المؤشرات في بعض جوانب الحوكمة. وكانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مرتفعة في بعض الأوقات في التاريخ الحديث لدولة قطر، لكن هذا مؤشر متقلب لاقتصاد قائم على الهيدروكربونات، حيث يتأثر الناتج المحلي الإجمالي بشدة بسعر النفط. وتتمثل الأولوية لإدارة مثل هذا الاقتصاد في بناء محفظة من الأصول القوية والمتنوعة والاستثمارات طويلة الأجل، وهذه هي المجالات التي تسجل قطر نتائج جيدة فيها. وقد تعلمت دول الخليج درسًا صعبًا خلال فترات انخفاض أسعار النفط في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وكانت لديها البصيرة التي مكنتها من إنشاء صناديق الثروة السيادية، لضمان الاستثمار طويل الأجل، وتنويع الاستثمارات، ومنع الاقتصاد بأكمله من الاعتماد على التقلبات في أسعار السلع العالمية التي لا يمكن لدولة صغيرة السيطرة عليها. والدين الحكومي في قطر آخذ في الانخفاض، فخلال العقدين الماضيين، لم يقتصر الاستثمار على مشاريع البنية التحتية فحسب، بل ركز أيضًا على المنتجات ذات القيمة المضافة الأعلى للصادرات، ولا سيما الغاز الطبيعي المسال الذي يُعد مصدر طاقة متخصصا ومكررا ينتج عن استخدامه انبعاثات أقل من غيره وله دور مهم إستراتيجيًا في التحول نحو اقتصادات ذات انبعاثات كربونية منخفضة أو معدومة. وفي الماضي، كانت وكالات التصنيف الائتمانية تنتقد حجم الاستثمارات والودائع الخارجية في البنوك القطرية، حيث أشارت إلى أنه كانت هناك مخاطر في عمليات السحب في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، ولكن المستوى لم يكن مرتفعًا جدًا حيث تراوح عند حوالي 20- 30 ٪. وعلاوة على ذلك، يجب أن يكون للمكانة الخاصة بالودائع الخارجية التي تستقطبها البنوك القطرية وزن أكبر، لأنها تُعد مؤشرًا إيجابيًا في جوانب مهمة بسبب طبيعة المودعين. والعامل الأكثر أهمية من أنها ودائع محلية أو دولية مدتها ومدى ثبات مستوى الودائع خلال السنوات الماضية. وتسجل البنوك القطرية نسبة جيدة من الودائع طويلة الأجل، التي ثبت أنها تعزز الاستقرار المصرفي. وخلال مرحلة الاضطراب الذي تعرض له الاقتصاد المحلي في قطر خلال الفترة من عام 2017 إلى عام 2021، وانتشار جائحة كوفيد- 19 وانخفاض أسعار النفط، لم نشهد حدوث سحوبات مالية كبيرة من البنوك القطرية. لذا، فقد اجتازت البنوك اختبارا صعبًا وقاسيًا في الواقع، ولم تتعرض لنوع السحوبات المفاجئة التي عجلت بانهيار بنك وادي السيليكون، على سبيل المثال. إن الإعلان الصادر عن وكالة فيتش خلال الشهر الماضي إيجابي للغاية بالنسبة لدولة قطر، وقد حدث نتيجةً للاستثمار طويل الأجل وجهود التنويع الاقتصادي، وليس بفعل الإيرادات المالية فحسب.