29 أكتوبر 2025

تسجيل

ألمانيا تزيد إنتاجيتها بخفض ساعات العمل

09 أبريل 2014

على عكس نظريات الإدارة التقليدية التي تؤكد أن زيادة ساعات العمل وتشجيع العمل الإضافي تؤدي دائما إلى زيادة الإنتاج، كان للألمان رأي آخر يرى أن خفض عدد ساعات العمل هو الكفيل بزيادة الإنتاج والإنتاجية، وقد أكد ذلك بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD" التي أظهرت أن العامل التشيكي يعمل نحو 2034 ساعة عمل سنويا فيما يعمل عمال كل من إيطاليا وإسبانيا والبرتغال 1765 ساعة سنوياً، في الوقت الذي يعمل فيه العامل الألماني 1397 ساعة عمل فقط.ورغم زيادة ساعات عمل العمال بدول مثل جمهورية التشيك وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان بالمقارنة بنظرائهم الألمان، فإنه لا يستطيع أحد القول بأن مستوى المعيشة أو الدخل السنوي في هذه الدول أفضل حالاً عما هو موجود في ألمانيا، وهو الأمر الذي أكدته الدراسة التي قام بها معهد الدراسات الاقتصادية الأوروبية ومقره العاصمة الإسبانية مدريد، حيث أوضحت أن مستوى التشغيل في كل من إيطاليا وإسبانيا وألمانيا قبل بدء الأزمة المالية العالمية الراهنة كان متساوياً تقريباً، إلا أن السلطات الإيطالية والإسبانية قد ركزت جل اهتمامها على أعداد العاملين فيما ركزت السلطات الألمانية على خفض عدد ساعات العمل وزيادة الإنتاجية ومن ثم الدخل.ولقد ساعد على تحقيق الأهداف الألمانية نظام التعليم المهني والتأهيل الفني المطبق بمدارسها الثانوية والذي يعتمد على تدريب وتشغيل هؤلاء الطلاب أثناء الدراسة، من خلال توزيعهم على مجموعة من المهن المتنوعة بالشركات المختلفة، بما يعد دافعاً للكثيرين منهم على تفضيل العمل بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية عوضاً عن مواصلة الدراسة الجامعية أو اتخاذهم لقرار بتأجيلها لفترة تالية، بما يعمل على توفير أيدي عاملة مدربة ورخيصة وتتمتع بخبرات نظرية وعملية متميزة.وفي دراسة حديثة أصدرها المعهد الألماني لدراسات العمل ومقره العاصمة الألمانية بون تحت عنوان "العمل ساعات أقل هو الرد الألماني على الركود الكبير"، وأوضحت الدراسة أنه رغم انكماش الاقتصاد الألماني في عام 2009 أي في بداية الأزمة المالية العالمية، بمعدل 4.7% فإن مستوى تشغيل العمالة وقوة العمل ظل مرتفعاً، وأرجعت الدراسة السبب في ذلك إلى اللوائح التي تنظم العمل بالبلاد في المدى القصير.حيث تؤكد هذه اللوائح على دعم الحكومة مادياً لأصحاب المصانع وأرباب الأعمال بالفرق بين قيمة أجر العاملين لديهم عن عملهم لعدد ساعات العمل الشهري بالكامل وبين أجرهم عن ساعات العمل الفعلية بعد خفضها، إلا أن الحكومة اشترطت على أرباب الأعمال عدم فصل أية عمالة لديه، وهو الأمر الذي خفض كثيراً من معدلات البطالة خلال فترة الأزمة، على عكس ما حدث بغالبية دول الاتحاد الأوروبي، بما يعني تفضيل السلطات الألمانية لخفض عدد ساعات العمل عن الاستغناء عن العمالة مع رفع كفاءة أدائها بما يزيد من معدلات إنتاجيتها.كما أكدت الدراسة كذلك على تركيز السلطات الألمانية مثل الكثير من دول شمال أوروبا على زيادة أعداد العمالة المؤقتة التي تتيح مرونة أكبر لأرباب الأعمال وطالبي العمل وتتيح في ذات الوقت فرصة أكبر لتشغيل النساء مما زاد من معدل تشغيلهن من 58% من إجمالي النساء الألمان في سن العمل في عام 2000 إلى 69% في عام 2013، كما أظهرت بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن نسبة العمالة المؤقتة بألمانيا في العام الماضي قد بلغت حوالي 34% من إجمالي قوة العمل فيما بلغت في إسبانيا نحو 14% فقط.إلا أن علماء الإدارة والاقتصاد يرون أن الأمر الأكثر أهمية من عدد ساعات العمل هو مستوى الإنتاجية "أي القيمة المادية لما ينتجه العامل خلال فترة زمنية معينة سواءً كانت ساعة أو أسبوعا أو شهرا أو عاما كاملا" والذي يمثل الإضافة الحقيقية للعملية الإنتاجية وللناتج المحلي، حيث أظهرت بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD" أن متوسط مساهمة ساعة عمل واحدة للعامل الألماني في إجمالي الناتج المحلى لبلاده تعادل 60 دولارا، بينما تتراوح بين 34.48 دولار في كل من إيطاليا وإسبانيا واليونان والبرتغال، مما دعا المنظمة لحث هذه الدول على عدم منح أي حوافز أو مكافآت مالية إضافية لمن يمضي ساعات أطول في العمل دون النظر إلى مستوى إنتاجيته، ودعتهم كذلك إلى تحرير سوق العمل ليكون أكثر مرونة وكذا الاعتماد على زيادة أعداد العمالة المؤقتة.وفي النهاية فإنني أرى أن العبرة في تحسين الأحوال الاقتصادية لأي دولة وزيادة إنتاجيتها ومستوى معيشة أبنائها ليس في زيادة ساعات العمل، وإنما العبرة برفع مستوى كفاءة عمالها والعمل على رفع معدلات إنتاجيتهم، ودليلي في ذلك هو انخفاض المستوى الاقتصادي والمعيشي بكل من إيطاليا وإسبانيا وغالبية الدول الأوروبية بالمقارنة مع الوضع الألماني، رغم قيام أبناء هذه الدول بالعمل لساعات أطول كثيرا مع نظرائهم الألمان، ويؤكد فريق كبير من الخبراء أن زيادة كفاءة هذه الدول لعمالها ورفع معدلات إنتاجيتهم يعد أمراً حتمياً، إذا كانت راغبة بالفعل في اللحاق بالقطار الألماني.