10 سبتمبر 2025
تسجيلفي فترة سابقة من الفترات التي اضطررت فيها أن أقيم خارج وطني لعدة أشهر، كانت القنوات الفضائية التي بدأ ظهورها حديثا في تلك الفترة، هي الوسيلة الوحيدة لتمضية الوقت الطويل، الذي لايمكنني أن أقضيه في الخروج بالطبع، خاصة مع أجواء الشتاء الباردة في تلك السنة. وأذكر أنني تابعت الكثير من البرامج الثقافية والدينية والمسلسلات وبرامج الحوارات، وحتى بعض القنوات الأجنبية واكتشفت مع الوقت أنني أصبحت أجيد اللغة من استمرار متابعتي لها، فهي غير مترجمة وأنا أصر على أن أفهم الأحداث وأنتبه للكلمات، وشعرت بأنني تعلمت تعلماً إجباريا، أكثر مما تعلمته في سنوات الدراسة الجامعية، وأحياناً تكون موضوعات بعض البرامج مادة رائعة للنقاش والحوار وإبداء الرأي مع بعض الصديقات العربيات. ومن ذكرتني بتلك الفترة واستفزت قلمي لهذا الموضوع هي قريبتي التي كانت تتحدث بإعجاب عن أحد البرامج الثقافية الذي رأته بالصدفة والذي افتقدت نوعيته من البرامج منذ زمن، حين تعطل جهاز الطبق اللاقط في بيتها في الوقت الذي كانت تنتظر فيه متابعة أحداث مسلسل تركي، فقد كانت تتابع المسلسلات التركية جميعها تقريباً وتتفاعل مع أحداثها، وقد كانت قريبتي هذه من أكثر الحاضرات ثقافة حين نتداول بيننا موضوعا للنقاش في امور الحياة، وبعدما كانت تدلي لنا بالأخبار الساخنة، توقفت عن ذلك تماما، وبعد هذا الإدمان ما أن أنتبه إليها عندما تحكي قصة ما وأستمع لها بجدية، إلا وأكتشف أنها تتحدث عن جزئية من مسلسل تركي تتابعه. لكن تلك الليلة التي تعرض فيها الطبق اللاقط للقنوات للعطل وهي تنتظر بشغف أحداث أحد المسلسلات التركية الذي تتابعه، جعلتها تضطر بعصبية أن تلجأ إلى البحث في جهاز التحكم علها تجد أي قناة أخرى تخفف عن نفسها وحشة افتقادها لأحداث ذلك المسلسل التركي، فوجدت بأحد القنوات برنامجاً ثقافياً رائعاً يحكي عن ثقافة احدى القبائل التي تسكن أعالي جبال داغستان وكيف يعيش أهل تلك المنطقة وثقافتهم، وأخذها هذا البرنامج معه في روعته، وفجأة أحست وهي تقلب بعض القنوات الإخبارية بأنها غائبة عن كل مايحدث في العالم من أخبار، وان معلوماتها تحتاج إلى تحديث كي تعرف المستجدات التي تغيرت كثيراً على الساحة العالمية، وقالت بأسى: (أشعر بأنني أحتاج لمن ينقذني من الغرق في بحر المسلسلات التركية، فقد أصبحت مدمنة عليها وفي حالة تغييب للثقافة وبرامجها التي طالما أثرت فكري). وكان الأهم في مشكلة قريبتي هذه أنها تعي وتفهم حجم المشكلة التي تعيشها، ومن يضع يده على المشكلة يكون دائماً قد اقترب من الحل. وقد يرى البعض أن المسلسلات التركية الطويلة ماهي إلا حالة صحية اتجهت إليها بعض القنوات العربية، ولكن لو فكر البعض بأنها قد أصبحت أكثر مما يجب، وأطول مما يجب، وأن الإنسان لو بدأ بجمع الساعات التي قضاها في مشاهدة مسلسل تركي واحد لوجد أنه أضاع مئات الساعات في حكايات لاتنتهي وسلسلة من الأحداث والأفكار، فما إن تغلق حلقة حتى تبدأ حلقة أخرى. لست ضدها ولست مع إدمانها بالطبع، فمازلت ممن يؤمن بالاعتدال في كل شيء. أحب قريبتي وأتمنى أن تشفى من ذلك الإدمان وأن يشفى منه الكثيرون ممن أصيبوا به، وأن يعودوا ليضعوا إصبعهم على جهاز التحكم لاختيار قنوات أخرى فيها الكثير من المتعة والثقافة وتستحق المشاهدة، وليكونوا دائماً حاضرين معنا قريبين من الأحداث حولهم، حاضرين ورافضين أبداً غياب الثقافة.