11 سبتمبر 2025

تسجيل

صراع التكنولوجيا وأقطاب الابتكار

09 مارس 2021

من عالم متعدد الأقطاب، إلى عالم القطبين، إلى حرب عالمية جاءت بقطب أوحد هي الولايات المتحدة الأمريكية، لا ينافسها أحد ولا يريد أحد لها أن تغضب، تفرض العقوبات بالسلطة الأممية أحياناً، وبالسلطة الفردية أحياناً أخرى. ومع تراجع الاعتماد على النفط، وتقدم شركات التكنولوجيا العالمية لتكون هي الشركات الأغلى على مستوى العالم متقدمة على كل القطاعات الأخرى، فإن العالم كله يعلم أن بترول المستقبل هو التكنولوجيا، وأن من لا يملك المعرفة التكنولوجية، ولا الصناعة، ولا يسعى ليكون طرفاً في المنافسة، سيكون بالضبط كالدول الفقيرة الموارد الطبيعية حالياً، والفقيرة مالياً لعدم قدرتها على استيرادها أيضا. على سبيل المثال "وبحسب استطلاعات أجريت في 2020، أشار العديد من الرؤساء التنفيذيين إلى أن أزمة كورونا ساهمت في دفع جهود التحول الرقمي فيما يصل إلى 75% من الشركات، مما أدى إلى ابتكار نماذج تشغيل من الجيل القادم كان من الممكن أن تستغرق أعواماً حتى يتم تنفيذها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ماذا فعل المجتمع الدولي لتعزيز إسهامات الابتكارات في التعامل مع الأزمات ودفع عجلة التنمية والتطوير لصالح مستقبل البشرية؟". الإجابة، لا شيء سوى الحرب، ولقد شكل تفوق الصين في عدد براءات الاختراع صدمة للغرب، التي ترغب دوله في الهيمنة والسيطرة على التكنولوجيا، وهو ما دفع الولايات المتحدة مثلاً للدخول في صراع مع الصين، لإيقاف الإرادة الصينية، هذا في العلن، ودخول صراع الاستحواذ المغري على كل الشركات الناشئة في دول أخرى لامتلاك المعرفة التكنولوجية ثم احتكارها. الولايات المتحدة تحرص على أن تكون قطباً أوحد، من خلال شركاتها، فبعد أن خسرت تحدي السيارات أمام السيارات الألمانية واليابانية، وبعد أن خسرت قطاع الأجهزة أمام الكورية واليابانية، فإنها اليوم تسعى لاحتكار قطاع التكنولوجيا الذكية، ومنها قطاع الهواتف على سبيل المثال وتطبيقاتها. يمكننا في هذا المقال إلقاء الضوء على نموذج الحرب التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على عدة شركات صينية مثل زي تي إي وتنسنت وبايت دانس وشركة هواوي، وقد بلغت الحرب ذروتها عندما وصلت هواوي للمركز الأول عالمياً بعد أن أزاحت كل منافسيها، وخاصة مع زيادة رواج تقنية الجيل الخامس لهواوي. أدرجت الإدارة الأمريكية الشركة في القائمة السوداء أو ما يسمى بـ"قائمة الكيانات"، ومنعت الشركات الأمريكية من التعامل معها، وأصدرت بعد ذلك قراراً بمنع كافة الشركات من تصدير التقنيات بمكونات أمريكية إلى الشركات الصينية التي أدرجتها على القائمة السوداء، ومن ضمنها هواوي، وتواصلت إدارة ترامب مع حلفائها لإقناعهم بمنع هواوي من العمل على شبكات الجيل الخامس في بلدانهم، وحاولت إقناعهم ببرنامج "الشبكة النظيفة" الذي أعلن عنه وزير الخارجية مايك بومبيو ويسعى لمنع الشركات الصينية من ممارسة الأنشطة على شبكة الانترنت في الولايات المتحدة ودول العالم. هذا الأمر دفع شركة هواوي التي تضررت من إيقاف خدماتها من قبل الشركات الأمريكية المزودة لفتح متجرها الخاص والبدء في عملها بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا يطرح السؤال نفسه، كم دولة يمكن أن تقف في صف عقوبات أمريكية على التكنولوجيا التي تملكها؟ وكم دولة قد تتخلى عن كل برامجها ومستقبلها التكنولوجي خوفاً من العقوبات. لا يجب أبداً أن يكون الصراع السياسي باباً يفتح على التقدم التكنولوجي للدول، العالم يتجه إلى وضع حلول أفضل من أجل مستقبل للبشرية تساهم فيه التكنولوجيا بشكل كبير، من الصناعة لإجراء العمليات الجراحية للدراسة للتواصل، ولا يجب أن تكون هذه الخدمات التكنولوجية المرتبطة بحرية الانسان وصحته وحياته رهناً لصراعات سياسية. وإن كانت دول كثيرة حول العالم تسابقت لسن قوانين للجرائم الإلكترونية لحماية نفسها من حرية التعبير في جانب أو من الجرائم الجديدة في عالم الانترنت في جانب آخر، فإن على كل الدول أن تتكاتف بما يضمن اليوم لشركات التكنولوجيا حول العالم أن تكون مستقلة عن الهيمنة السياسية أولا، ومن ثم أن تكون بعيدة عن صراع سياسي يستخدم ضد البشرية مستقبلاً. "جمعية الإنترنت" وهي منظمة عالمية يديرها مجلس أمناء متنوع ملتزم لضمان بقاء الإنترنت كشبكة مفتوحة وشفافة ومحددة بواسطة المستخدمين، والرابطة العالمية لتصميم وصناعة الالكترونيات وسلسلة التوريد (SEMI) كانوا قد أصدروا في وقت سابق بيانات ضد هذه التصرفات الأمريكية وإن كان عذرها الظاهر الحفاظ على الامن القومي الأمريكي، وحتى انتقد بوريه إيكهولم الرئيس التنفيذي لشركة إريكسون السويدية، المزود العالمي لمعدات شبكات الاتصالات وأحد منافسي شركة هواوي قرار السويد، البلد الأم لإريكسون بحظر هواوي من المشاركة في بناء شبكات اتصالات الجيل الخامس في السويد، في دليل صارخ على التأثير الأمريكي على الدول. المشكلة الكبرى تكمن في أن دولنا تقف موقف المتفرج، فهي المتضررة من عدم وجود صناعة تكنولوجية لديها، وهي متضررة بسماحها باستقطاب العقول لديها للغرب، وهي التي أيضا تسمح بشراء مشاريعها التكنولوجية الناشئة تحت مرأى منها دون دعم أو تدخل أو شراء لها على الأقل، وهي التي لا تحاول ولا تسعى ولا تفكر في الدخول في المنافسة في هذا المجال، وهي المتضررة من تأثر سلاسل التوريد لديها. نخشى أن نصل يوماً في هذا الصراع التكنولوجي إلى مستوى الصراع الحالي بين صواريخ باتريوت الأمريكية وصواريخ اس 400 الروسية، فيكون المستقبل تكنولوجياً: التكنولوجيا الأمريكي... أو إس 400 بقية العالم. ‏[email protected]