15 سبتمبر 2025
تسجيلانصرفت الأنظار إلى الشباب عند الحديث عن الثورات الشعبية التي تعيشها منطقتنا العربية، والتغيير الذي يطرأ على واقعها، على اعتبار أنهم وقود هذا الحراك، وأكثر المؤثرين والمتأثرين به، ولكن ماذا عن الشرائح العمرية الأخرى؟ ما من شك أن روح التغيير أحدثت تأثيرا في الجميع، وانعكس تأثيرها حتى على الأطفال والشيوخ بحكم معايشة هذه التجارب حية عن قرب، في البلاد التي عاشت هذه التجارب واقعا ملموسا كتونس ومصر، وحاليا في ليبيا واليمن وغيرها، أو بحكم طغيان هذه المادة على ما يتم تناوله ومتابعته في وسائل الإعلام لاسيَّما الفضائيات، وفي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى حديث المجالس والديوانيات، وبسبب ذلك نالهم من الأنظمة الكثير من العنت والأذى. لو توقفنا عند شريحة الأطفال فإن من اللقطات المحببة التي صارت عدسات الكاميرات الفوتوغرافية والتليفزيونية تحرص عليها عند تغطية المظاهرات صور الأطفال الصغار أو الفتية اليافعين وهم محمولون على الأكتاف والأعناق يرددون الهتافات والشعارات، أو يلوّحون بأعلام دولهم، أو يرسمونها بألوان جذابة على وجوههم، أو يشكّلون بالسبابة والوسطى علامات النصر، ومثل هذه الأحداث بكل تداعياتها ستبقى دونما شك راسخة في أذهانهم حتى الكبر، وسيكون لها انعكاساتها على مستوى صياغة أفكارهم واهتماماتهم وتصرفاتهم. من حسن حظ شريحة الأطفال والناشئة أنهم بدأوا يعيشون زمنا مختلفا عن زماننا، بعيدا عن التوجس والخوف، والقمع والديكتاتورية، واليأس والقنوط، والضعف والانكسار، وغياب الكرامة الإنسانية للأفراد والمجتمعات، وهضم الحقوق التي كفلتها لهم الأعراف، والأديان السماوية، والقوانين الأرضية، وهو ما عانى منه جيلنا وجيل آبائنا على مدار عقود، ومن ثمّ سيكون بمقدورهم من الآن فصاعدا الإسهام في صياغة حاضر ومستقبل مشرق بكل تأكيد، بعد أن تترسخ لديهم تباعا قيم وسلوكيات جديدة. وإذا كانت القيم والمفاهيم السلوكية تترسخ من خلال التطبيق العملي والممارسة والتأسي بنماذج فعلية وبالقدوة الحسنة فإن ثورتي مصر وتونس وما يجري من حراك وتغييرات في دول أخرى ستلهم الأطفال والناشئة وسيتعلمون منها الكثير بحكم اشتراكهم أو احتكاكهم بها بصورة أو بأخرى أو متابعتهم لها عن قرب أو بعد. أعجبني في هذا الشأن حوار إلكتروني حيّ مع الجمهور أجراه موقع " أون إسلام" مع أحد المستشارين في المجالات النفسية والأسرية حول تأثيرات ثورة مصر على الأطفال العرب (الطفولة المتأخرة / ما قبل البلوغ)، وكان من أهم ما خلص إليه أن الأطفال تعلموا من هذه الأحداث فضلا عن كسر حاجز الخوف أشياء كثيرة أهمها: ـ طرق النقد الإيجابي والاحتجاج السلمي بحيث يعترضون بصورة حضارية بعيدة عن التدمير والعنف، وتعكس قوة شخصيتهم بالوقت نفسه. ـ حسّ المسؤولية: فمن كانوا يحرسون الشوارع في اللجان الشعبية أو من كان يساعد من بالخارج بحمل الماء والطعام، أو من يرفع الأعلام أو يهتف في الميادين هم أطفال في عمر 10ـ 15 عاما. ـ العمل الجماعي والتخلص من الأنانية والفردية، والعطاء والبذل والتطوع لخدمة الوطن والمجتمع. ـ الحلول الإبداعية للأزمات والمشكلات والاعتماد على الذات لمواجهة الطوارئ والظروف الاستثنائية ـ التفكير النقدي الذي يعزز لغة الحوار ومهارات العرض،والتعبير عن الأفكار. ولعله لم يكن مستغربا بناء على ما سبق تمكن طلاب مدارس أردنية من إسقاط ثلاثة مديرين في أسبوع واحد. بالمقابل لم يكن الأطفال والناشئة بمنأى عن الخسائر التي ارتبطت بأحداث التغيير، ولا شك أنهم دفعوا ـ وسيدفعون ـ جزءا من ضريبة التغيير، حيث لا تفرق الديكتاتوريات القائمة والبائدة ـ مع الأسف ـ بين صغير وكبير ومن هذه الخسائر: ـ استشهاد الطفل هائل وليد (15 عاما) أثناء مشاركته بمظاهرة في مدينة عدن برصاصة قوات الأمن اليمني استقرت في رأسه. ـ اعتقال عدد من الفتية بمدينة درعا السورية بسبب كتابتهم شعار: " الشعب يريد إسقاط النظام" على عدد من جدران المدينة. ـ قيام النظام الليبي قبل أيام بأسر رهائن من أطفال منطقة البريقة أثناء محاولته السيطرة عليها، وكذلك أسر أطفال من أبناء "تاجوراء" في طرابلس، وعدم استبعاد استخدامهم من قبل النظام "كدروع بشرية" في الحرب الدائرة هناك بحسب معلومات مؤكدة ذكرتها مصادر معارضة لصحيفة "الحياة" اللندنية. لنتذكر أن الأطفال كانوا ضحايا طغيان الديكتاتوريات منذ عهد فرعون الذي أمر بقتل كل المواليد الجدد بسبب رؤية رآها مفادها أن ملكه سيزول على يد طفل يولد من بني قومه، والتاريخ يعيد نفسه كما يقال.