29 أكتوبر 2025

تسجيل

روسيا والصين.. المصالح الذاتية في مقابل القيم الإنسانية

09 فبراير 2012

وجهت كل من روسيا والصين ضربة قوية للجهود الدولية الرامية لإنهاء العنف في سوريا عندما استخدمتا حق النقض "الفيتو" اعتراضا على مشروع قرار للأمم المتحدة يدعم خطة الجامعة العربية لحل الأزمة في سوريا من خلال "إصلاح في الخارطة السياسية السورية يقود إلى تغيير ديمقراطي وتداول سلمي للسلطة". وبرر السفير الروسي فيتالي تشوركين تصويت بلاده ضد القرار لكون مشروع القرار الحالي "يبعث برسالة غير متوازنة لأطراف الأزمة السورية"، وأنه لا يعبر عن الوضع هناك بالصورة الدقيقة المطلوبة، وأنه لم يتضمن أي اقتراح لوقف الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة ولا مدى ارتباطهم بالمتطرفين، وقال إن المشروع لم يأخذ بعين الاعتبار أن مطالبة الحكومة السورية بسحب قواتها يتم في "ظل استمرار الهجوم العسكري عليها" معتبرا أن المشروع "يقوض جهود تسوية الأزمة السورية سلميا". وفي الوقت نفسه دافع السفير الصيني لي باو دونغ عن قرار الصين باستخدام حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار قائلا: إن بلاده دعت أيضا إلى وضع حد فوري لجميع أعمال العنف في سوريا ولكن يجب احترام سيادة البلاد واستقلالها وسلامة أراضيها. وقال إن "الصين ترى أنه في ظل الظروف الحالية، فإن ممارسة أي ضغوط على الحكومة السورية لا داعي لها لأنها لن تساعد في حل القضية السورية". وهذه هي المرة الثانية التي يستخدم فيها كلا البلدين حق النقض "الفيتو" ضد قرار للأمم المتحدة حول الأزمة السورية منذ أكتوبر من العام الماضي عندما قامت روسيا والصين أيضا باستخدام حق النقض "الفيتو" المزدوج لعرقلة إصدار مشروع قرار أوروبي كان قد صيغ لإدانة انتهاك حقوق الإنسان بسوريا، والذي كان قد اقترح أيضا فرض عقوبات عليها. باستخدامهما لحق النقض "الفيتو" فإن كلا من روسيا والصين قد أعادتا مرة أخرى تقسيم المجتمع الدولي وتقويض جهود الأمم المتحدة في وقت كانت فيه القوات السورية في مدينة حمص تعتدي على المحتجين هناك مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص قبل ساعات فقط من التصويت على قرار الأمم المتحدة، مما اعتبر أحد أكثر الأيام دموية طوال فصل الربيع العربي. ووفقا لآخر الإحصاءات بعدد ضحايا أحداث العنف في سوريا التي أعلنها المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي في منتصف ديسمبر، فإن أكثر من 5000 شخص قد لقوا حتفهم جراء أعمال العنف في سوريا، وأنهم منذ ذلك الحين لم يتمكنوا من تحديث هذا الرقم "بسبب الأوضاع المظطربة على الأرض". وأيضا أعلن صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) مؤخرا، أن ما لا يقل عن 384 طفلا في سوريا قد قتلوا خلال انتفاضة الأشهر العشرة، في حين تم اعتقال نحو 380 طفلاً لم يبلغ غالبيتهم سن الرابعة عشرة. إن هذه الإحصاءات والأرقام المروعة ينبغي أن تدفع كلا من روسيا والصين كي يفكروا مليا في مدى تأثير قرارهم باستخدام حق النقض "الفيتو" على المئات من أرواح الأبرياء الذين قتلوا والآلاف المؤلفة من أولئك الذين ما زالوا يعانون من آثار الصدمات النفسية جراء أعمال العنف البشعة التي اجتاحت البلاد. إن دعم روسيا والصين المستمر للنظام السوري وخصوصا أنهما على دراية تامة وكاملة بأعمال العنف المستمرة التي ترتكب - ليس فقط ضد المدنيين، ولكن أيضا ضد الأطفال الأبرياء - في الواقع يجعل منهما شركاء في هذه الجريمة ضد الإنسانية. وكما قال السفير البريطاني مارك ليال غرانت، "أولئك الذين أعاقوا مشروع قرار مجلس الأمن يجب أن يسألوا أنفسهم: كم هي أعداد الوفيات القادمة التي سيكونون على استعداد لتحملها؟". إن روسيا والصين باستخدامهما لحق النقض "الفيتو" فإنهما تصبان الزيت على النار وتدفعان بسوريا أكثر فأكثر إلى شفا حرب أهلية بدلا من توفير حل سلمي للأزمة. ويبدو أيضا من خلال موقفهما الأخير أن قرارهما يشير بوضوح إلى أنهما معنيتان فقط بعلاقتهما مع نظام الرئيس الأسد وليس مع الشعب السوري، وخصوصا أنهما قد ضحيا بسمعتيهما في المجتمع الدولي من أجله. وينبغي لكل من روسيا والصين أن تتذكرا جيداً أن سوريا ليست الدولة الوحيدة التي تربطها مصالح اقتصادية أو سياسية معهما، فيبدو أنهما نسيا أو تناسيا أن لديهما أيضا علاقات قائمة مع دول أخرى لا تستطيع أن تتغاضى وتغض الطرف عن خطئهما الفادح باستخدام حق النقض "الفيتو". فعلى سبيل المثال، فإن دول مجلس التعاون الخليجي الداعمة لمشروع قرار الأمم المتحدة الذي يتبنى خطة جامعة الدول العربية لديهم الكثير من العلاقات التجارية مع روسيا والصين. ووفقا للتقارير، فإن حجم التجارة الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين قد نما بنسبة عشرة أضعاف ليصل إلى مائة مليار دولار في العقد الماضي. كذلك قام رئيس مجلس الدولة بجمهورية الصين ون جيا باو بجولة خليجية شملت المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر الشهر الماضي، ووقعت خلال الزيارة العديد من اتفاقات التعاون التجاري والثقافي بالإضافة إلى التعاون في مجال البنية التحتية مع هذه الدول الخليجية الثلاث. ومن ناحية أخرى، ففي حين أن حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي لم يمثل سوى ملياري دولار في عام 2008 قامت بعض شركات دول مجلس التعاون الخليجي بعدد من الاستثمارات في قطاعي الطاقة والتعدين الروسيين. وفي نوفمبر من العام الماضي عقد الاجتماع الوزاري الأول للحوار الاستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي في أبو ظبي، حيث دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تحقيق أعلى مستوى في العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، حتى أنه قال: "إن روسيا يمكن أن تساهم في تحقيق رغبة دول مجلس التعاون الخليجي في تنويع العلاقات التجارية وفتح أبواب جديدة للاستثمار في قطاعي النفط والغاز وكذلك في مجال الطاقة النووية." ومع ذلك، فإن موقف روسيا والصين الأخير خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي يمكن أن يخلق انتكاسة وتراجعا عن الاتفاقات الاقتصادية المختلفة التي تمت في السابق بين روسيا والصين من جانب، ودول مجلس التعاون الخليجي من جانب آخر. إذا قمنا بتسليط المزيد من الضوء على الأوضاع الحالية فسيتضح جليا أن قرار استخدام حق النقض "الفيتو" من قِبل روسيا والصين تم اتخاذه لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وليس لأسباب إنسانية، وأنهما استخدمتا الوضع الحالي في سوريا فقط من أجل مصالحهما الذاتية دون أدنى اعتبار للجوانب الإنسانية في المسألة. وهناك نقطة مهمة لا بد من الإشارة إليها وهي أن سوريا أضحت هي الحليف الوحيد المتبقي لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، لذلك قال مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والتكنولوجية (كاست) في روسيا، روسلان بوخوف، لوكالة اسوشيتد برس، أنه " ليس هناك معنى لأن تتخلى روسيا عن دعمها للأسد، فهو الحليف الأخير المتبقي في الشرق الأوسط لروسيا، والذي سيتيح لها فرصة المحافظة على بعض النفوذ في المنطقة ". هذا بالإضافة إلى أن سوريا تعتبر أيضا المشتري الرئيس لصادرات الأسلحة الروسية، ووفقا للتقارير، فلقد طلبت سوريا في الثاني والعشرين من يناير الماضي شراء 36 طائرة مقاتلة من طراز ياك - 130 بقيمة 550 مليون دولار حسبما جاء في صحيفة "كومرسانت" الروسية. كما تحتفظ روسيا بقاعدة بحرية في ميناء طرطوس السوري. أما بالنسبة للصين فوفقا لبيانات إحصائية صادرة عن المفوضية الأوروبية أتت سوريا كثالث أكبر مستورد للمنتجات الصينية للعام 2010, كما تعتبر شركة البترول الوطنية الصينية أيضا ثالث ثلاثة شركاء في مشروع شركة نفط الفرات - وهي المجموعة الرئيسية المنتجة للنفط في سوريا - مع كل من الشركة الوطنية السورية للنفط وشركة رويال داتش شل، كما تساعد الصين أيضا سوريا في تشييد بعض مشاريع البناء. إنه لمن العار أن تبحث كل من روسيا والصين عن مصالحهما بدلا من اهتمامهما بالإنسانية التي يتم نحرها بصورة يومية تقريبا. إن قرارهما الأخير بتعطيل مشروع قرار الأمم المتحدة يشير إلى أنهما - روسيا والصين - مستعدتان للتضحية بعلاقتهما مع كل حلفائهما الآخرين وأصدقائهما من أجل رجل واحد. خالد عبد الرحيم السيد [email protected]