18 سبتمبر 2025
تسجيلفي جنح الليل الدامس تسلل «بوراشد» بكل خفة ورشاقة من منزله وقد تنكر وغير هيئته، فقد لبس ثوباً فضفاضاً أبيض له جيبان من الأمام والخلف ولف رأسه بعمامة بيضاء كبيرة، ووضع كمامة سوداء على وجهه، ولم يستخدم سيارته وأنما ركب سيارة أخرى جهزها لهذه العملية وهي «كريسيدا» زرقاء «موديل 82»، وتحرك من منزله الكائن «بإزغوى» واتخذ طريق الشمال متجهاً شمالاً باتجاه مدينة الرويس، ولكنه في منتصف الطريق تقريباً انحرف يميناً واتخذ المخرج المتوجه إلى مدينة الخور، ومن هناك استغل الطريق الساحلي عائدا إلى مدينة الدوحة وتوجه إلى فريج بن عمران، ومنه اتجه جنوباً من خلال الدائري الثالث مروراً بالسد ثم فريج السلطة ثم المنتزه حتى وصل إلى تقاطع «إشارات السينما»، وعند التقاطع انحرف يساراً متوجهاً إلى شارع المنصورة باتجاه سوق الحراج، فجميع هذه التحركات كانت مقصودة ومخططاً لها مسبقا، وذلك لتضليل من سيحاول تتبعه وكشف عمليته السرية. وعند وصوله إلى المنطقة المجاورة لسوق الحراج أوقف سيارته بعيداً عن السوق في أحد «الدواعيس» (أي الأزقة أو الطرق الضيقة بين المنازل) القريبة من أحد المساجد القديمة، نزل بوراشد من سيارته راجلاً فمشى 50 خطوة شمالا وتوقف ثم استدار بزاوية 45 درجة إلى اليمين وقفز سبع قفزات ثم وقف، واستدار 13 درجة شرقاً ونزل على الأرض وأخذ «يشبر» (أي قاس مستخدما أصابع اليد الواحدة ما بين الإبهام والخنصر) أحد عشر شبراً، فوقف عند هذه النقطة ودار بجسمه إلى اتجاه الغرب، ثم أخرج من جيبه «بوجلي» أي مصباح يدوي وقام بإضاءته بشكل متقطع خمس مرات وهو يراقب بحذر. وما هي إلا ثوان قليلة حتى رأى نور مصباح في الجهة المقابلة له يضيء ثلاث مرات من مسافة ليست ببعيدة خلف شجرة سدر ضخمة، فتبسم بوراشد وهرع إلى مصدر الضوء، ولكنه ما أن اقترب من الشجرة حتى سمع رجلا يقول له «وقف مكانك شنهو سر الليل»، وللإيضاح فإن مصطلح أو جملة سر الليل يستخدمها العسكريون وتعني ما هي كلمة السر المتفق عليها. ونكمل الحديث عما حدث لبوراشد في عمليته السرية، فقد انصاع «بوراشد» لأمر الشخص المجهول خلف الشجرة وبالفعل توقف مكانه، وقال له «درب المدينة على خبري» فرد الرجل المجهول «كثرت عليه المطاريشي» فرد عليه بوراشد «الحب للحين واقف على الكبرى» فرد الرجل «نعم ويحارش الناس تحريشي»، الآن اقترب مني وعطني اللي عندك»، في هذه اللحظة اطمأن بوراشد بأن هذا هو الرجل المقصود والذي سوف يتم معه الصفقة التي خاطر بحياته من أجلها. اقترب بوراشد من الرجل وسلمه ظرفاً ابيض زخرفت حوافه بمستطيلات صغيرة ملونة ومتقطعة حمراء وزرقاء وبيضاء وعليه طبعة في الجهة اليسرى من اسفل كتبت فيها عبارة «بالبريد الجوي» بثلاث لغات عربية وانجليزية وفرنسية، فتح الرجل المجهول الظرف فإذا فيه مبلغ مالي وثلاث صور شخصية ذات خلفية بنفسجية، فتبسم الرجل وقال لبوراشد «تمام يا الحلو، لكن المرة اليايه (القادمة) السعر غير»، قال بوراشد للرجل «شدعوه هذي ثالث مرة تزيدون السعر، خفوا علينا شوي ما يسوى علينا «، رد الرجل المجهول «ودك ولا شوف غيرنا، وانت تدري انه ما به إلا احنا»، قال بوراشد متأففاً: «ما عاد عرفنا نلقاها من من ولا من، كلن يحتكر ويتظرب في العالم»، قال الرجل المجهول «محد غاصبكم تبغي ولا خذ فلوسك ولا عاد تتصل فيني» رد بوراشد بسرعة «لا لا وسع صدرك الله يهداك عطنا اللي عندك واحنا على قولة القايل يا اما اشربي ولا العصا, مالنا إلا الله», انتهى الحوار بين بوراشد والرجل المجهول وقام الرجل بتسليم بوراشد كيسا من الورق البني يحتوي على شيء ما. تناول بوراشد الكيس وقد علت وجهه علامات الفرح والسعادة ورجع مهرولاً إلى سيارته بأقصى سرعة وتوجه إلى مجلس بوسعد مستخدماً نفس تكتيك خط سيره السابق. في هذه الأثناء كان بوسعد وبوحسن وبوسيف جالسين في مجلس بوسعد بانتظار عودة بوراشد والقلق قد اعتراهم، فقال بوسعد مخاطبا أصدقاءه: «يا جماعة ابطى (أي تأخر) علينا بوراشد» فقال بوحسن «معليه يا خوي تصبر هذي حروته ويوصل (أي انه على وشك الوصول)» فقال بوسيف «الله يحفظه والله انه شقردي (أي رجل شهم وشجاع) وما قصر كفانا العبالة (أي العناء)»، وما كاد بوسيف أن ينهي حديثه حتى دخل بوراشد عليهم مسرورا ورافعا الكيس الورقي بيده اليمنى ويقول «ابشروا بها ابشروا بها». فماذا كان في الكيس البني؟ وما هي طبيعة مهمة «سر الليل» الخطيرة التي قام بها بوراشد؟، وهل بالفعل نجحت المهمة أم أن هناك أموراً وأحداثاً ومفاجآت أخرى لم يتوقعها الجميع؟ جميع هذه التساؤلات وغيرها من الأحداث سنعرف إجاباتها في مقال الأسبوع القادم بإذن الله. @drAliAlnaimi