29 سبتمبر 2025

تسجيل

سوريا ما بعد خطاب الأسد .. إلى أين ؟

09 يناير 2013

لم يكن في خطاب الأسد الأخير شيء يستحق التوقف، سوى ما كشفه للعالم  عن إدارة ظهره للجهود الدبلوماسية الدولية التي يقودها الأخضر الإبراهيمي، وقطعه الطريق على إيجاد تسوية سياسية قد تتمخض عن اللقاء الروسي الأمريكي المزمع مع الأخير، رغم هزالة هذه التسوية التي أرادت إبقاء الأسد حتى 2014، وما فيها من مثالب كثيرة. لقد وضع الأسد العالم أمام تسوية مفصّلة على مقاسه، يتفاوض فيها مع من يريد، ويحدد فيها الشروط التي يريد، وعلى العالم القبول بها كما هي بالضبط، وإلا فلا حلّ آخر لديه سوى الاستمرار في قتل العباد، وتدمير البلاد، دون حدّ زمني لذلك. السؤال المهم هو: ماذا بعد هذا الخطاب المستفز، والإدانات التي تلته ـ باستثناء التأييد الإيراني ـ، وإلى أين تتجه سوريا بعد كل ما تعرضت له.. وهل سيتجه الوضع للانفراج، بتحرك مغاير من المجتمع الدولي لما درج عليه، تجاه غطرسة الأسد، أم أن الأمر سيتجه لمزيد من التأزم، وتواصل لسيلان الدم السوري، خصوصا إذا بقيت هذه الدول المؤثرة على موقفها من حظر وصول السلاح النوعي إلى الثوار والجيش الحر. الرؤية لم يعد فيها أدنى غبش، فالمجرم متمسك بإجرامه، ويؤيده في رؤيته النظام الإيراني، لأسباب مفهومة، والمهم فإن الجميع أمام امتحان صعب من أجل إنقاذ الشعب السوري، بعد أن منح سفاح دمشق اتفاقية جنيف حول سوريا شهادة وفاة رسمية، وقطع الطريق على مساعي الأخضر الإبراهيمي عملياً. بالنسبة للمجتمع الدولي أمامه حلان سريعان يجب اتخاذهما في أجل غير بعيد، في حال أصر الأسد على عدم الرحيل، كما هو ظاهر حتى الآن، إما إنزال عقوبات مجلس الأمن على نظامه تحت البند السابع، وتطبيق حظر سلاح طيرانه..، أو السماح بتزويد ووصول الأسلحة النوعية للجيش الحر، والأخير كفيل بإذن الله بحسم المعركة ميدانيا. ما لم فسوف يؤكد على أنه شريك في الجريمة التي تتواصل فصولها في سوريا، إما بالسكوت عن الظالم وجرائمه والأخذ على يده، أو لعدم فعل شيء جدي لإجباره على الرحيل ووقف مجازره بحق المدنيين من شعبه، كما هي القناعة لدى كثير من السوريين والمراقبين السياسيين، إلى درجة أن كثيرين قالوا إن الأسد ما كان ليجرؤ على طرح مبادرته لولا علمه بتقاعس المجتمع الدولي أو صمته وغض الطرف عنه. أما ما يخص جبهة المعارضة فإنه يتوجب عليها أكثر من أي وقت مضى تقليص مساحات الخلافات فيما بينها إلى أدنى حد ممكن، وتوحيد صفوفها لتكون جبهة قوية، تتكامل فيها جهودها وتتعزز في قواها، خصوصا أن الأسد، لم يعد لديه طرف من المعارضة يمكنه أن يحاوره، واتضح لكل ذي لبّ أن ما يعدّه رأس النظام مبادرة حوار ومصالحة وطنية ليست سوى ورقة لكسب الزمن، أو لكي يأتي الثوار إليه مذعنين صاغرين، كما يتوجب عليهم التركيز في المقام الأول على دعم الجيش الحر بقوة، بموازاة العمل على دعم الجهود الإغاثية لتلبية احتياجات الشعب السوري من الغذاء والكساء والدواء والمأوى، خصوصا النازحين داخل سوريا واللاجئين في المخيمات، ودعم حراك المجتمع المدني، ليعين الناس على تنظيم شؤونهم الحياتية في غياب سلطة الدولة بالمناطق المحررة وشبه المحررة، من توفير للأمن وآليات لفض النزاعات، والاحتياجات الأخرى كالصحة والتعليم والنظافة العامة وغيرها. واضح أن الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية لم تتخذ قرارها بإنهاء حكم الأسد، على الأقل حتى الآن، تحت مبررات واهية مختلفة سواء الخوف من "القاعدة" والجماعات الجهادية، أو حفظ أمن واستقرار المنطقة، والخوف من توترات طائفية وحروب إقليمية، أو عدم وجود البديل، أو شرذمة المعارضة وعدم توحدها، أو ضرورة ضمان حقوق الأقليات.. وما صدر من ردود فعل على خطابه لا ترقى إلى خطورة ما ورد فيه، ولغة التحدي التي اعتمدها، وقطعه الطريق على مبادرات الأمم المتحدة والجامعة العربية، ولا تتضمن رؤية لكيفية التعامل مع الأسد ونظامه بعد الخطاب، وصولا إلى تخليصه من المعاناة التي يعيشها منذ 22 شهرا، لذا فإن على المعارضة السورية والجيش الحر العمل معاً وفق خطة ذاتية مبتكرة ترتكز حشد الجهود للتركيز على توفير السلاح النوعي، والتنسيق والتخطيط الإستراتيجي للعمليات على مستوى الخارطة السورية من جهة، وتأمين المستلزمات والاحتياجات الإغاثية الإنسانية اللازمة لصمود الشعب السوري على أرضه، ودعم حراك المجتمع المدني لتوفير ما ينظم حياة الناس وشؤونهم في غياب سلطة الدولة من جهة أخرى. ومن ثم خلق واقع جديد على الأرض، يجبر النظام الدولي على التحرك بدلا من التفرج، أو التآمر على الشعب السوري من تحت الطاولة. وعندما يتخذ المجتمع الدولي قراره في التحرك بصورة جدية للضغط على الأسد أو إجباره على الرحيل، فيمكن للمعارضة التعامل معه في حينها، وفقاً لمصالح الشعب السوري ومقتضيات تلك اللحظة والمستجدات المحيطة بذلك. ومثلما حدد الأسد رؤيته، وطالب العالم أن يتعامل معه على أساسها فقط، على المعارضة والجيش السوري الحر أن يصوغا رؤيتهما الواضحة للتعامل مع هذا الواقع الجديد، ويمضيا بها قدماً نحو الأمام حتى يأذن الله بالفرج على بلادهم، وأن يدركا أنهما أصبحا عبر نضال الشهور الماضية رقما صعبا في المعادلة المتعلقة بسوريا، بما يمتلكانه من حق مشروع وإرادة شعبية صلبة، وأنهما شكّلا نوعا من التوازن، ـ وأحيانا التفوق ـ إزاء نظام يتسلح بأعتى أنماط المكر والخداع، ويمتلك أكبر شبكة من الدعم والتحالفات الدولية الظاهرة والخفية عبر مسيرته ومسيرة أبيه من قبله.