14 سبتمبر 2025

تسجيل

أمريكا التي لا أعرفها (1)

08 ديسمبر 2014

جرت العادة لدينا في منطقتنا العربية وبلدان العالم النامي عندما يأتي ذكر الولايات المتحدة الأمريكية وكأنه شيطان مارد يظهر لنا بحِيَلِه ومؤامراته ودسائسه لينفث سمومه ويقضي على كل ما تقع عيناه عليه، هذه هي القناعة التي رسمتها لنا السياسة وجعلتنا نلقي اللائمة على هذه القوى المتسلطة التي هيمنت على ثرواتنا ومقدراتنا ولم نسمح ولو لمرة واحدة إلقاء اللوم على أنفسنا لأننا نحن من جعلنا الأمم تتكالب علينا وتهيمن على كل ما نملك، ولأننا رضينا لأنفسنا ولدولنا وشعوبنا أن نعيش على هامش الحياة ولا ننهض بهممنا وتاريخنا المضيء الذي استفاد العالم منه وتمكنوا من خلال ما ورثناه من حضارات وعلوم واختراعات أن يبدأوا من حيث توقفنا ويبنوا حضاراتهم ليقودوا العالم كله ليس بالقوة فقط وإنما بالعلم والتطور وبالقوانين الإنسانية التي تجعل حرية ورفاهية الإنسان لديها في المقام الأول، رغم أن ديننا الإسلامي الحنيف وضع قواعد كرامة وحرية وعزة المسلم في سلم أولوياته ولكننا للأسف تجاهلنا هذا الحق وصادرناه ليحل الاستبداد والظلم والطغيان محله في معظم دولنا الإسلامية، كنت على موعد الشهر الفائت وعلى مدى 3 أسابيع مع جولة مكوكية استفدت منها كثيراً وأجابت على الكثير من التساؤلات التي تشغلني كثيراً لا سيما وأنها تتعلق بالدولة التي لها الكلمة الطولى في العالم وهي من بيدها السلم والحرب وما بينهما، فقد تم ترشيحي من قبل السفارة الأمريكية في الدوحة لحضور برنامج قيادة الزائر الدولي وكان بعنوان "الصحافة والسياسة الخارجية للولايات المتحدة " وهو يعد مشروعا إقليميا موجها للشرق الأدنى وشمال أفريقيا، ويسعى هذا البرنامج منذ انطلاقته عام 1940إلى بناء تفاهم متبادل بين الولايات المتحدة والدول الأخرى عبر زيارات مهنية مبرمجة بعناية لهؤلاء القادة الأجانب الذين يعدون من الأشخاص المؤثرين في دولهم عبر مواقعهم التي يحتلونها في حكوماتهم أو الحياة السياسية أو وسائل الإعلام، والتربية والتعليم، والمنظمات غير الحكومية، والفنون والآداب، والصحة العامة، والأمن الدولي، والأعمال والتجارة، وغيرها من المواقع التي تشكل محل اهتمام، وحرص البرنامج لاستقطاب أفراده المؤثرين للاطلاع على الجوانب التي تهمهم في الولايات المتحدة والتي من خلالها يتعرفون على كافة الجوانب الثقافية والمهنية والسياسية في المجتمع الأمريكي ويتلقون الخبرة المباشرة عن الولايات المتحدة، وشعبها، وثقافتها، وقد شارك في هذا البرنامج منذ انطلاقته أكثر من ( 320 ) رئيس حكومة ودولة حاليين وسابقين وغيرهم من قادة العالم البارزين في القطاعين العام والخاص، أما البرنامج الذي شاركت فيه والذي استهدف صحفيين من عدد من الدول العربية في آسيا وشمال أفريقيا ، فقد تم انتقاؤه ببراعة موجهاً لـ 13 صحفياً من 8 دول عربية يمثلون مؤسسات صحفية ومراكز إعلامية لها شأنها في هذه الدول، وقد جاء البرنامج منوعاً ومكثفاً طيلة أيامه والتي بدأت بواشنطن العاصمة التي لم أكن أعرف عنها إلا بوجود البيت الأبيض ومبنى الكابيتول ( الكونجرس ) ونصب واشنطن والصالة الوطنية للفنون وجامعتي جورج تاون وجورج واشنطن فيها ، ولم أكن أعرف أن واشنطن ليست ولاية وإنما هي مقاطعة وليست جزءاً من أي ولاية وأنها لا يوجد لها صوت في مجلس الشيوخ أو في مجلس النواب، وواشنطن لها دور رئيسي على مستوى الولايات المتحدة وهو رسم السياسة الوطنية والدولية، بدأ برنامجنا باجتماع مع المسئول عن البرنامج والذي يتبع دائرة الشؤون التعليمية والثقافية بوزارة الخارجية الأمريكية الذي أكد حرص الوزارة على إقامة مثل هذه البرامج التي تستقطب فيها أكبر عدد من النخب والمفكرين والإعلاميين للتعرف على ما تحتويه الولايات المتحدة من ثقافات ومعارف وعلوم وتكنلوجيا يستطيعون من خلالها الاستفادة منها ونقل فكرتهم الحقيقية المبنية على زيارات ميدانية لعدد من المواقع المهمة داخل الولايات المتحدة، وقد استشفينا من خلاصة كلامه وهو الأمر الذي كان في مخيلتنا منذ أن تم ترشيحنا للبرنامج بأن البرنامج هدفه الرئيسي هو تحسين صورة الولايات المتحدة لدى دول العالم وما شكلته سياستها الخارجية من امتعاض وعدم رضا لدى شعوبها من خلال ما تقدمه في هذا البرنامج للإعلاميين لكي ينقلوها لشعوبهم وبلدانهم، امتازت جولة واشنطن بأنها صادفت الانتخابات الحاسمة لكل الولايات المتحدة الأمريكية للمناصب على المستوى الفيدرالي حيث يقترع الناخبون لاختيار ممثليهم في الكونجرس، وقد كان لنا نصيب في متابعتها في إحدى مراكز الاقتراع وشاهدنا كيف يحرص الآباء والأمهات على اصطحاب أطفالهم معهم لمراكز الاقتراع لكي يتعلموا كيف يمارسون حقهم الدستوري في الانتخاب، وهذه من أهم الأمور التي يحرص المجتمع الأمريكي على زرعها في أبنائه وهو ما يغيب عن مجتمعاتنا التي قلما نجد فيها مثل هذه السلوكيات الحضارية، في هذه الجولة التي استمرت 6 أيام تنوعت الزيارات التي قمنا بها حيث بدأناها بنادي الصحافة القومي ثم للمعهد العربي الأمريكي ثم إلى مركز التعلم العالمي ومركز الدراسات الإستراتيجية والدولية وما تخللها من محاضرات قيمة لإعلاميين ومفكرين أمريكيين عرب مثل د. جيمس زغبي والسيد أكرم إلياس و د. جون الترمان الذين قاموا بالتعريف بالنظام الفيدرالي وسياسة الولايات المتحدة في العديد من القضايا الدولية، كما تميزت هذه الجولة بالتعرف على ماهية العمل في بعض المؤسسات الإعلامية الناطقة باللغة العربية والتي تبث من واشنطن، وللحديث بقية في مقالاتي القادمة والتي سأتناول فيها جولتنا في الولايات الأخرى التي تضمنها برنامج الزائر الدولي، نلقاكم على خير .