13 سبتمبر 2025
تسجيلجاء الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأسبوع الماضي بعد القرار الذي اتخذه رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي لتحويل حصة لبنان من الأموال إلى المحكمة الخاصة للبنان، كدليل قاطع على وضع الحزب الحساس والقلق، في الوقت الذي تعاني فيه سوريا من الانتفاضة، وتشديد العقوبات ضد إيران بسبب برنامجها النووي، وكذلك حدة التوترات المتصاعدة مع الغرب بسبب الهجوم الأخير على السفارة البريطانية في طهران. وفي خطابه شدد نصر الله على خطر الطائفية، ليس في لبنان فقط بل في سوريا أيضا، قائلا إن "بعض وسائل الإعلام تحاول إظهار وجود صراع طائفي في سوريا"، مضيفا أن "البعض منها يصر على وجود 3000 مقاتل إضافة الى دخول الآلاف من المقاتلين من الجيش المهدي العراقي الى سوريا"، مؤكدا أن كل هذا مفتعل من أعداء حزب الله، وعليه، فإنه يدعو إلى "ضبط النفس وتجنب الخطاب الطائفي". وهنا يظهر تغيير كلي في لهجة نصرالله المعتادة، رغم أننا لا نستغرب ذلك، لعلمنا بأن نصرالله يريد أن يظهر لشعبه أنه لم يكن ولن يكون جزءًا من حرب طائفية محتملة في سوريا. ومن ناحية أخرى، لم يغفل نصر الله، في خطابه،عن انتقاد رئيس الوزراء السابق سعد الحريري, واتهامه و14 آذار، بالمساومة على المحكمة الخاصة للبنان من أجل البقاء في السلطة فقط. وما اعتبره نصر الله مساومة, ليس في الحقيقة سوى تضحية شخصية كبيرة من جانب الحريري"من أجل استقرار الحكومة اللبنانية"، مظهرا نزعته القومية تجاه وطنه، عندما أراد وضع مصلحة الوطن قبل محكمة والده. وبالإضافة إلى اتهامه بالمساومة, اشتكى نصر الله أيضا من أن الحريري لم يفعل شيئا خلال فترة توليه رئاسة الحكومة. ونحن نجد أن هذا الوصف يدعو للسخرية، حيث إن نصرالله انتقد الحريري لقلة إنجازاته خلال مدة قصيرة قضاها في الحكومة، في الوقت الذي تغاضى فيه عمدا عن ذكر أن النظام السوري المتوارث الذيحكم سوريا لأكثر من عقد من الزمن لم يقم بأي إصلاحات أو تحسينات مثله مثل الدكتاتوريين الآخرين الذين تم إسقاطهم خلال الربيع العربي، مما يظهر تحيز نصرالله الكامل لسوريا. وأيضا تساءل نصر الله في خطابه عن مدى شرعية المبالغ المدفوعة للمحكمة الخاصة، بما أن رئيس الوزراء ميقاتي استخدم ميزانية اللجنة العليا للإغاثة لتمويلها. ولكنني أتساءل: هل ياترى كان الدفع ممكنا دون الموافقة الضمنية لحزب الله؟ خاصة أن حل استخدام ميزانية اللجنة العليا للإغاثة لتمويل المحكمة ليس شيئا جديدا وكان من الممكن القيام به خلال عهد الحريري. ودعونا لا ننسى أنه كان بالإمكان التمويل من خلال مصادر خارجية وتبرعات. فلماذا أتى هذا الحل الآن؟هل جاءت موافقة حزب الله الضمنية على التمويل، بسبب ضعف موقفها الحالي لأن حلفاءها, سوريا وإيران لديهما مشاكلهما الخاصة؟ وفي هذا الإطار, جاء خطاب نصر الله ليظهره كسياسي براغماتي. لو فشلت حكومة ميقاتي، بسبب التنازع حول تمويل المحكمة، لكان حزب الله وسوريا في وضع أكثر صعوبة وحرجا. فبالطبع لا حزب الله ولا سوريا يريدان فشل حكومة ميقاتي لأن هذا سيكون ضد مصلحتهما، لأن تشكيل حكومة لبنانية جديدة سيضع سوريا في وضع أسوأ مما هي عليه الآن،لأن هناك احتمال كبير بألاتكون الحكومة الجديدة موالية لسوريا كما الحال مع الحكومة الراهنة.ومع القرارات التي صدرت مؤخرا من قبل الجامعة العربية, ستخضع سوريا لعقوبات اقتصادية, وسوف يزداد الوضع سوءً، في حال فشل حكومة ميقاتي وعودة الحريري والمنافسين الآخرين لحزب الله إلى السلطة، حيث ستقطع عندها العلاقات مع سوريا. وبالموافقة ضمنا على تمويل المحكمة، يحاول حزب الله كسب الوقت أملا في أن يتحسن الوضع في سوريا ويهدأ الربيع العربي، مظهرا للجمهور في نفس الوقت عدم موافقته على تمويل المحكمة. لا شك أن هذه المسألة سوف تثار مرة أخرى في العام المقبل، وإذا تحسن الوضع في سوريا وهدأت ثورات الربيع العربي، فمن المؤكد أن السيد نصرالله سوف يرفض تمويل المحكمة، دون أن يظهر بصورة الرجل الذي غير رأيه أو مبادئه. وأخيرا، نود أن نشير إلى أن الشخص الوحيد الذي يستفيد من كل هذا, هو رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي سوف يبرز كبطل مهما كانت نتائج تمويل المحكمة. أولا, لو لم تتم الموافقة على التمويل,لكان استقال من منصبه، كما أعلن مسبقا, ولكان أصبح بطلا للحزب السني لثبات موقفه. ثانيا, لو تمت الموافقة على التمويل, كما حدث بالفعل, فهو سيظهر أيضا كبطل لأنه حقق الهدف وتوصل الى حل المعادلة الصعبة مع حزب الله بشأن قضية المحكمة الخاصة. وفي نهاية المطاف, الأهم عند الجميع هو البقاء. لذلك ليس من المستغرب أبدا, أن يقوم كل من حزب الله وحماس والإخوان المسلمين وإيران وغيرهم، بتغيير لهجتهم، عندما يهدد وجودهم، فحينها، توضع الإيديولوجيات جانبا، وتفرض سياسة البراغماتية. رئيس تحرير جريدة البننسولا [email protected]