18 سبتمبر 2025

تسجيل

عودة «مودود»

08 نوفمبر 2023

ما نراه الآن من بطولات وأمجاد يكتبها ويسطرها المناضلون في غزة المحاصرة تحت قذائف العدو الصهيوني، والتي وثقها جماعة المناضلين عبر مقاطع تبث في اليوتيوب تحكي لنا مصداقية ما يقوم به هؤلاء الأماجد من بطولات ليست كالتي تحكى في عالم الدراما الغربية المزيفة، يجعلنا ننظر في تاريخنا ونتساءل عن حكاية رجل كانت له من الصولات والجولات في استرداد الأراضي المقدسة من سطوة الاحتلال الصليبي للقدس. ذاك هو الأمير شرف الدَّولة «موْدُود بن التونتكِين أمير المُوصل، والذي قال عنه ابن الأثير: « وكان خيِّرًا، عادلاً، كثيرَ الخير، أميراً نبيلاً ومجاهداً عظيماً، ساسَ رعيّتهُ بالعدلِ والإنصافِ، والتزمَ بتعاليم الدّين الإسلامي، مع أمر بالمعروفِ ونهيٍ عن المنكر، حتى شاع الخيرُ في كل مكان من أرجاء المُوصل، فأحبّته الرّعية، وامتلك بعدله القلوبَ والعُقول، ثم رسّخ في قلوب رعيتهِ حبّ الجهاد». فعندما جاء الصليبيون في القرن 5 هـ لم يجدوا أحداً يجابههم ويحاربهم، وهكذا بعد تأسيس الصليبيين 4 ممالك في المشرق الإسلامي بعدة سنوات ومنها مملكة القدس في فلسطين.، وجدنا أن بعض الأخبار تروي أن بعض رؤساء وأمراء الممالك الإسلامية في الشام قد قدموا تسهيلات للصليبيين مما سهل عليهم احتلال الشريط الساحلي الشامي دون أن يتحرك لهم جفن من الحياء أمام الأمة والتاريخ. فكان لابد من وجود رقم صعب يجعل التاريخ حائرا في فهم آلية وجوده على مسرح الأحداث، فكان صاحبنا: هو مودود بن التونتكين الذي تكمن بطولته الاستثنائية في أنّه الأمير الوحيد ضمن هذا الجمع من أمراء الشام والعراق وخليفة مصر، الذي قرّر رفع راية الجهاد ضد الصليبيين، ووقف لهم بالمرصاد، وكانت نهايته كذلك مثيرة للغاية. خاض الأمير مودود عدة معارك عسكرية في مواجهة الصليبيين إلا أنه لم يظفر بنصر مؤزر لقلة المعين، فقد تواصل مع أمراء الشام ولكنه لم يلق أكثر من ترحيب وجاهزية للمقاومة العسكرية وهذا لا ينسينا أنهم متهمون أصلا بدعم قوات العدو إلا أن الأمير مودود كان يظن أنهم فعلوه في زمن سابق وأنهم شعروا بالندم لخيانة الأمة ولكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك. ففي عام 1113 التقى جيش مودود بجيش الصليبيين في شمال فلسطين، ووقعت معركة كبيرة قرب بحيرة طبرية، وانتصر المسلمون بقيادة الأمير مودود انتصاراً كبيراً، وأسروا الكثير من قوات الاحتلال الصليبي، وغنموا غنائم كثيرة، وطارت أخبار النصر في أراضي العرب والمسلمين وتنفسوا الصعداء بهذا النصر. عاد مودود بعد موافقة أمير دمشق ( بعد مشاركة خجولة منه حفظا لماء وجهه ) إلى دمشق محمّلين بزهو الانتصار، وأمل جديد فتحوه للمسلمين بانتصارهم، فلم يكن في ذهن الشعوب العربية والإسلامية أن يحققوا ولو نصرا مؤقتا على تلك القوات الصليبية التي شهد لها الكثير في ذلك الزمان على شراستهم في القتال، فأقيمت الأفراح في دمشق بهذا النصر الذي حققه الأمير مودود، ولكنّ يبدو أن النهاية لم تكن متوقعة، فقد تم اغتياله جرما في صلاة الجمعة، وتم باغتياله اغتيال أول أمل عربي وإسلامي بعودة الأراضي المقدسة الى العرب، وتقول الروايات إن قتله كان مخططا من مخططات طائفة الحشاشين، ولكن تشير تحليلات أخرى إلى أن أمير دمشق طغتكين كان متورطاً في مقتله، لأنه خاف أن يسيطر على دمشق بسبب شعبيته المتزايدة بين العرب والمسلمين لما فعله من بطولات.