19 سبتمبر 2025

تسجيل

ما بعد الاعتداء على عمران خان

08 نوفمبر 2022

جدد الاعتداء الذي وقع أخيراً على رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، ونجم اللعبة الوطنية الباكستانية المفضلة للباكستانيين (الكريكيت)، الحديث عن اعتداءات سابقة على رؤوساء حكومات سابقين، كان من بينهم بي نظير بوتو قبل 15 عاماً، حين كانت تخاطب حشداً من أتباعها في مهرجان انتخابي، في (راولبندي) قرب العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وذلك بعد عودتها من المنفى الاختياري، بتنسيق وترتيب مع الرئيس الباكستاني يومها برفيز مشرف، وقبل هذا الحادث بأكثر من نصف قرن قُتل رئيس وزراء باكستان لياقت علي خان في المكان نفسه تقريباً الذي قُتلت فيه بي نظير، وهو المكان الذي أُعدم فيه والدها بعد انقلاب ضياء الحق 1977، لكن يبقى الخيط السري بين كل هذه الأحداث، هو عجز القضاء الباكستاني عن الكشف عن الجهة الفاعلة والمنفذة والمدبرة لمثل هذه الحوادث، فضلاً عن معاقبتها، ويبدو أن هذه سمة الاغتيالات السياسية ليس في باكستان وحدها، وإنما في العالم كله. على مدى أشهر ثمة آلية لضخ الدعايات ضد عمران خان، تتمثل في القول بأنه لا يحترم المقدسات، ويزدري أحياناً بها، ويستشهدون على ذلك بعدم إرفاقه الصلاة على النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، حين يُذكر اسمه، ويعتقد المؤيدون لعمران خان أن هذه الدعاية هدفها خلق جو باكستاني، يدفع أحد الأفراد إلى اغتياله والتخلص منه، تماماً كما أقدم قبل سنوات مرافق سلمان تسير حاكم إقليم البنجاب على قتله في إسلام آباد، بعد أن اتهمه بالتجديف بحق النبي، عليه الصلاة والسلام، ويقول المؤيدون: إن هذا ما حصل مع المتورط بمحاولة اغتيال عمران خان، الذي أرجع سبب محاولة اغتياله في مقطع الفيديو الذي ظهر سريعاً بعد القبض عليه، إلى عدم احترام عمران للدين، حيث كانت الموسيقى تصدح خلال أوقات الأذان، ونحوها من اتهامات كالها المنفذ في مقطع الفيديو الذي نُشر له، وقد أسفر الهجوم في حينه عن مقتل شخص واحد، وجرح 14 آخرين من بينهم عمران خان الذي أُصيب في ساقه. عمران خان 70 عاماً، السياسي الحديث على السياسة الباكستانية مقارنة بسياسيين حازوا عليها بالتوريث، وهو البشتوني العنيد، ونجم الكريكيت العالمي في الثمانينيات، يوم فاز بالكأس العالمية، فاكتسب شهرة باكستانية غير مسبوقة، فتبوأت باكستان في عصره مكانة عالمية في رياضة الكريكيت المفضلة باكستانياً. وظل عمران خان يبني شهرته هذه على أساسها حتى أسس حزب الإنصاف، فاستقطب سياسيين من أحزاب باكستانية عدة، ليفوز في انتخابات باكستانية عامة 2018، ملحقاً الهزيمة بـ"ديناصورات سياسية" باكستانية، تصدروا المشهد السياسي لعقود على طريقة لعبة الكراسي الموسيقية، وطوال فترة حكمه ظهر على غير ودّ مع المؤسسة العسكرية صاحبة النفوذ والتأثير، والدولة العميقة في باكستان، وهو ما قاد إلى الإطاحة به عبر حجب الثقة عنه أواخر فبراير الماضي. وعلى الرغم من وقوف أحزاب رئيسية كبرى ضده، لكنه ظل قوة شعبية صاعدة، عجزت كل الأحزاب أن تحشد نصف ما حشد في مسيراته الشعبية، فأتت الانتخابات التكميلية في إقليم البنجاب لتثبت قوته الشعبية حتى بعد حجب الثقة عنه، حيث فاز بغالبية المقاعد الانتخابية في الإقليم، وهو ما شكل صدمة لخصومه، ومفاجأة حتى لأشد المحللين محافظة، كما أتى فوزه قبل أيام بمقعد في منطقة كرّم ايجنسي القبلية ضد تحالف مكون من 12 حزباً معارضاً له، وبفارق ضعف الأصوات، ما أدهش كل المحللين والخبراء. بمقدور عمران خان أن يعلن حلّ برلمان أقاليم البنجاب، و(صوبه سرحد) وعاصمته بيشاور، بالإضافة إلى إقليمي جلجيت وبلتستان، وكشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، الأمر الذي يعني قانونياً حلّ الحكومة، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، كما يطالب هو بنفسه اليوم، ولكن ما يمنعه من ذلك هو أنه حتى يتم اتخاذ قرار إعلان الانتخابات المبكرة، سيغيب هو وحزبه عن السلطة، وهو جزء من أقاليمها ويتمتع فيها بالأغلبية، وغيابه عن هذه السلطة سيجعل تحركه الشعبي صعباً، إذ قد يتعرض أتباعه، ومسيراته الحاشدة للاعتقالات والتضييق، ولذا فهو يفضل أن يأتي إعلان الانتخابات المبكرة من الحكومة الفيدرالية الحالية التي يقودها خصمه شهباز شريف. الواضح اليوم هو أن المواجهة، لم تعد بين عمران خان والحكومة الحالية بزعامة شهباز شريف، لقد غدت بينه وبين المؤسسة العسكرية والأمنية، ولذا فقد سمّى غير مرة الجيش والمخابرات العسكرية بالاسم، وطالب حتى بإقالة مدير المخابرات العسكرية، الذي ظهر في مؤتمر صحفي نادر مع مدير العلاقات العامة في الجيش الباكستاني، وهو يهاجم عمران خان ويتهمه بالإساءة للجيش، لاتهاماته لهم بالتآمر مع أمريكا في الإطاحة به. وقد صعّد أتباع خان من تحركهم ضد المؤسسة العسكرية، حين تظاهروا أمام مقر قائد فيلق بيشاور العسكري، بعد الهجوم المسلح الذي وقع على زعيمهم، الأمر الذي قرأ فيه مراقبون تصعيداً لافتاً من عمران خان، وهو ما كان ليقوم به أي حزب سياسي باكستاني، حيث يعد الجيش أمناً قومياً في البلاد. وذهب على ما يبدو عمران خان في لعبة كسر العظم مع المؤسسة العسكرية إلى نقطة قريبة من اللاعودة حين نقل عنه أحد قادة حزبه أسد عمر بأنه أُبلغ من عمران خان عن ثلاث شخصيات تقف خلف قتله إن حصل وهم: رئيس الوزراء شهباز شريف، ووزير الداخلية رانا ثناء الله، والجنرال فيصل. المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي اليوم في باكستان يرى حجم الحشد والتعبئة غير المسبوقة ضد المؤسسة العسكرية، في أجواء قد تتقازم أمامها أجواء انفصال بنجلاديش عن باكستان، وهي الأزمة التي تعد باكستانياً بمثابة مقياس ترمومتر سياسي لأي أزمة تمر بها باكستان، وبمثابة مسطرة كذلك يقيس بها الباكستانيون أزماتهم في حال تعرضوا للخطر، أما الهجوم على الجيش اليوم وعلى الأجهزة الأمنية فيراه بعضهم هو ذاته الذي تحدث عنه الصراع بين باكستان الشرقية والغربية، وقد عكست ذلك كله تصريحات عمران خان الأخيرة حين قال إن الجيش الذي حرم مجيب الرحمن عام 1971 من الحكم بعد أن فاز بالأغلبية العظمى، هو نفسه من يحرمني ويعرقل نشاطي في الحكم أو في المشاركة بالانتخابات المقبلة. ويبدو أن وصية لورانس العرب قديماً: "لا تحاول أن تفعل الكثير بيديك، فمن الأفضل أن يفعلها العرب لك". أما في حالة الجيش الباكستاني فقد كانت وصيته لعقود ألا تفعل الكثير في باكستان بيديك، وإنما دع السياسيين يفعلونها لك، ويتحملون وزرها أمام الشعب.