30 أكتوبر 2025

تسجيل

كن قائداً لا مديراً "4"

08 نوفمبر 2020

ذكرنا في المقالات السابقة أن الهدف الرئيسي للقائد هو إنجاز المهمة بنجاح، من خلال التخطيط الجيد والإدارة والاستخدام الأمثل للموارد المتوفرة، وبغض النظر عن ماهية المهمة الموكلة، فإن الإنجاز والنجاح هما أهم عاملين في تحديد كفاءة وقدرة القائد للقيام بالأعمال المنشودة، وليتسنى للقائد تحقيق رؤيته يحتاج إلى فريق عمل يكون فاعلاً وقادراً على أداء مهامه وواجباته، بحيث تتم الاستفادة وتوظيف كل فرد في الفريق على حسب قدراته ومهاراته، لذا فإن لكل قائد أسلوباً أو طريقة أو إستراتيجية "سمها ما شئت" للتأثير في من حوله وحثهم على العمل بالكفاءة المطلوبة نحو أهداف منظومة العمل. ومن خلال تجاربي وخبراتي السابقة، فإنني لا أرى أن هناك اختلافاً كبيراً بين المجال العسكري والمدني عندما يتعلق الأمر بأسلوب القيادة، فسنجد في المجالين هناك القائد المركزي والاوتوقراطي الذي يحتفظ بالسلطة لنفسه ورأيه فقط هو الصحيح وعلى الجميع التنفيذ فقط، وهناك اللامركزي أو الديمقراطي، الذي يشارك الآخرين آلية اتخاذ القرارات ويستمع لآرائهم واقتراحاتهم، ولكنه هو صاحب القرار النهائي، كما ستجد القائد الذي يقوم بتطبيق أكثر من أسلوب في آن واحد حسب ما تقتضيه مصلحة العمل، فهناك قائد يحفز ويشجع، وآخر يركز على خلق روح التنافس ويجزل بالمكافآت المادية والمعنوية، وهناك من يرهب ويخوف ويعاقب تارة ويسامح ويقدر ويتعاون تارة أخرى. وفي حقيقة الأمر فإنني لا اعتقد أن هناك أسلوباً واحداً يمكن أن يطلق عليه أنه هو الأسلوب الأفضل أو الأنجح في القيادة، فهناك معطيات ومؤثرات داخلية وخارجية كثيرة تتداخل في تحديد القائد لأسلوبه أو إستراتيجيته القيادية. فمثلا، قد يضطر القائد لاستخدام الأسلوب المركزي أو السلطوي عندما يكون المساعدون غير أكفاء، أو أن هناك نزاعات وخلافات داخلية بينهم تؤثر سلباً على سير العمل، ولكن في نفس الوقت عليه أن يعمل على حل المشاكل الداخلية إما بالإصلاح من خلال تعزيز روح الفريق والتوجيه والإرشاد والتدريب أو بالإبدال إن تعذر ذلك. وحتى لا أدخل في تعريفات وشروحات لمفاهيم أساليب القيادة المختلفة، التي بنيت على أساس نظريات أو تحاليل فكرية ووصفية لأساليب اتبعها قادة معينون أو أنماط لهذه الأساليب، فيمكن باختصار اختزال المعنى العام للأسلوب القيادي الأمثل بأنه "ذلك الأسلوب الذي يمكن القائد من إنجاز العمل وتحقيق الأهداف المنشودة بنجاح وبأقل المخاطر"، على أن يتم ذلك من خلال الاستخدام الأمثل والاستفادة القصوى من العناصر البشرية والمادية. إن النجاح هو جوهر القيادة، فمن غير الممكن أن يطلق لقب قائد على من لا يحقق النجاحات والغايات، كما لا يستطيع أي قائد أن يظهر قدراته القيادية دون وجود موارد بشرية يحسن استخدامها وتوظيفها، لذا على القائد عند وضع أسلوبه القيادي ألا يغفل أهمية العنصر البشري الذي يقع على عاتقه القيام بالأدوار الرئيسية لتنفيذ رؤية القائد، وكلما كان هذا العنصر سعيداً بالعمل وذا ولاء للقائد كانت كفاءته وتفانيه أكبر. ولعل أفضل مثال على الشخصية القيادية الناجحة التي كان وما زال تأثيرها مستمراً وسيستمر حتى قيام الساعة شخصية خير خلق الله أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فترى في سيرته العطرة الكثير من الدروس والعبر للتعامل مع الأحداث المختلفة وإدارة الرجال بأسلوب مثالي، تكون نتائجه دائماً النجاح، فهو الحليم الصبور المصحح لأخطاء وعثرات أصحابه، قال تعالى "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"، فنجد أن أساس أسلوبه القيادي التشاور كما فعل في غزوة بدر في اختيار موقع تمركز الجيش الإسلامي، وكذلك فكرة حفر الخندق في غزوة الأحزاب، واستشارته لأم المؤمنين أم سلمة في غزوة الحديبية، والكلام يطول عن شخصية رسول الله القيادية، لذلك من أراد أن يستخدم أسلوباً أو إستراتيجية قيادة ناجحة وفعالة فعليه بهدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. @drAliAlnaimi