16 سبتمبر 2025
تسجيلذكرت في مقال سابق، أن التجربة الإدارية الحكومية خلال العقود السابقة، أظهرت أن هناك في الأغلب صراعا بين منصبي الوزير والوكيل في الجهاز الحكومي. وبالتالي خلال العقد الماضي وحتى الآن كان هناك تركز واضح لمنصب الوزير، وانسحاب تدريجي واضح لمنصب الوكيل. بحيث اختزل منصب الوزير الذاكرة الإدارية والسياسية للمجتمع، في حين أصبح منصب الوكيل يحمل أثراً سلبياً في النفس. حتى إن بعضهم يلجأ إلى التبرير أن عُين أو قَبل أن يكون وكيلاً، وأصبح بالتالي منصب الوكيل لغزا يحتاج إلى حل. هذه ظاهرة خطيرة في اعتقادي، حينما يسعى الوكيل ويصبح هَمه الأول هو الحصول على درجة وزير كدرجة، مبرراً ذلك بأن الجميع حصل على درجة وزير. هذه «الريعية» لدرجة الوزير، جعلت من منصب الوزير نفسه «ريعا» وبالتالي حولت منصب الوكيل الفني إلى مجرد زيادة، وجوده وعدم وجوده سواء. غياب منصب الوكيل يخل بالهيكل التنظيمي للوزارة، ويجعل العلاقات الإدارية فيها بحالة فوضى كبيرة، ويدخل الوزير في متاهة يتحول معها من راسم سياسة إلى مأمور ضبط. غياب منصب الوكيل من الذهنية الإدارية أكثر خطراً من غيابه الفعلي في الواقع، أُشبه الوكيل في الوزارة بضابط الإيقاع الذي يجعل الوزير يبدع؛ لأن الإيقاع متناغم والأوركسترا في انسجام، والأخطر من ذلك أن المجتمع بجميع مستوياته أصبح يتهافت على درجة «وزير» فقط. ابحث عن من يُسلك لك الطريق، هذه الريعية أطلقت عقلية استهلاكية داخل الجهاز الحكومي ذاته وأصبح حتى التقاعد قبل نيل ذلك يُعدُ انتحارا أو أنك لم تحقق شيئاً يذكر في حياتك. داخل كل وزارة هناك منظومة تعمل ضمن الهيكل الإداري الذي يوزع الصلاحيات، ويلعب منصب الوكيل دوراً حاسماً لا غنى عنه في توصيل القرار الإستراتيجي الذي يجب على الوزير اتخاذه. هناك في بعض الدول المجاورة من يدعو إلى أن لقب «معالي» يجب أن يعطى للوكيل ليصبح معالي الوكيل؛ لأنه الأكثر ثباتاً من الوزير السياسي، والأكثر استمراراً للحفاظ على تراكم الخبرات في الوزارة، بينما عندنا يختفي من الذاكرة الإدارية للمجتمع ويبقى منصبه شاغراً تتلقفه الأيدي من كل ناحية وصوب، ويجتاز الأدنى والمقرب ذو الحظوة ويقوم بدوره مدير المكتب أو رئيس العلاقات العامة. في التشكيل الوزاري الأول وحينما رأت الحكومة في وقتها رفد الوزراء كبار السن من الوجهاء، بعدد من الوكلاء المتعلمين، حدثت طفرة كبيرة لمنصب الوكيل، وكان هَم المتعلمين والخريجين حينذاك الترشح أو الاختيار لمنصب الوكيل لديناميكيته وأهميته. في السابق كان دور الوكيل طاغياً على دور الوزير، والآن تلاشى تماماً أمام منصب الوزير، في الحالة الأولى يمكن التبرير أن المجتمع كان لا يزال يُعطي الوجاهة الاجتماعية أهمية كبرى، حيث المجتمع يحتاجها وظيفياً لملامسة همومه واحتياجاته، واحتاج إلى ديناميكية لتحقيق ذلك من خلال منصب الوكيل الذي يدير العمل داخلياً. ولكن الآن لا يمكن تبرير غياب منصب الوكيل بهذه الصورة، إلا أنه تمظهر لظاهرة «الريع» في شكل اجتماعي وشمولي واضح. وأخشى أن تستمر بحيث يصبح لقب الوزير ليس «سعادة» وإنما سعادة العلامة الوزير الذي يختزل الوزارة في لقبه وفي منصبه. [email protected]