14 سبتمبر 2025
تسجيلالدوحة هادئة مطمئنة، كما هو حال جميع المدن والقرى القطرية! تشرقُ الشمس من جديد، يتراسل العاشقون بكل محبة، يتهادَون بطاقات التهنئة، ويرسمون طريق مستقبلهم. المولات تعجّ بالبضائع والمشترين، مطار حمد الدولي في حركة لا تهدأ، الآمنون من القطريين والمقيمين يعيشون في (هارموني) بديع، الكل يسعى إلى عمله أو جامعته أو مدرسة! حركة البناء والتشييد لا تهدأ ليل نها ر! عقول القطريين لا تتوقف عن الابتكار والإنجاز، حتى سيارات شرطة المرور بالكاد نراها في الشوارع، فقط لتسيير المرور. منتسبو وزارة الخارجية – في الداخل والخارج – يحملون ملفاتهم – كلٌ في تخصصه – من أجل توثيق حق قطر، ورصد مخالفة "الأشقاء" بعد فرض الحصار. أطفال قطر يُزينون صدورهم بـ(تميم المجد)، الآسيويون يزرعون الأزهار الملونة في شوارع قطر، شعراء وفنانو قطر يواصلون الليل بالنهار من أجل إبداعات فنية جديدة تثبت الحق القطري، وتبرز حقيقة موقف الشعب القطري مع قيادته، ورفضه ادعاءات وأكاذيب دول الحصار. في هذا المناخ الآمن، ظهرت محطة تلفزيون (دبي) وهي محطة رسمية شقيقة، عُرفت بموادها الفنية والإبداعية الداعية للمحبة والخير، ظهرت بخبر يدعيّ "انتشار قوات تركية على التقاطعات والطرق الرئيسية، ووضعها حواجزَ تفتيش لبعض المناطق والأحياء في الدوحة، وكذلك فرض حظر التجول في قطر، إثر مظاهرات معادية للحكومة". ولقد اعتمدت القناة على ما أسمتهم (مصادر بالمعارضة القطرية)!؟ في الصباح التالي قَصدتُ أحدَ الطرق السريعة الرئيسية في قطر، دفعني لذلك حبُّ الاستطلاع والتأكد مما بثته تلك القناة، فقد تكون مصادر تلك القناة موثوقة ونحن لا نعلم!؟ لم أجد أي مشهد مما ادعتهُ تلك القناة، بل إن شبابًا قطريين صوروا مشاهد للطرقات الرئيسية السريعة ومداخل مدينة الدوحة، ولم يجدوا أثرًا عسكريًا، سواء لقوات قطرية أو تركية!؟ ولم يتم تبادل أي صورة تثبت وجود قوات تركية داخل المدن أو على الشوارع الرئيسية في قطر، كما لم نسمع عن أي مظاهرات معادية للحكومة، ولو وُجدت، لقامَ أحدهم بتصوير تلك المظاهرات، بقصد السبق في التواصل الاجتماعي!؟ من الناحية المهنية، رافق بثَّ هذا الخبر المزعوم فيلمٌ يُصوّر وصول القوات التركية إلى قطر، وهو ما بثته وسائل الإعلام الرسمي في قطر في حينه، وهو نتاج اتفاقية سابقة، ليس لها أي ارتباط مع مجرات الأحداث بعد الحصار. وهذه سقطة إعلامية مهنية، إذ لو بثت محطة محترمة مثل الـ BBC ذاك الخبر، لأرفقت معه صورًا حديثة للقوات التركية المزعوم انتشارها في مدن وشوارع قطر، أو للمظاهرات المعادية للحكومة!؟ أين الموضوعية التي يريدون عبرها إقناعَ الجمهور بحقيقة ما يدور في المنطقة!؟ كما أنه يوجد أطقم ومراسلون للقنوات العالمية في قطر، ولم ينقل الخبر المزعوم أيُّ إعلامي محترم ومُدرك لأصول المهنية، وعدم الاستخفاف بعقول الناس. نحن ندرك أنه في حالة العداء أو الحرب بين الدول يلجأ الإعلام إلى الكذب وافتعال المشاهد والمواقف ضد الطرف الآخر، ولكن بين "الأشقاء" لا يمكن أن يصل مدى الكذب إلى هذا الحد؟! وأنا على يقين – كمواطن قطري وليس لدى أي منصب – أن الجهات الإعلامية المختصة في بلدي على استعداد لاستضافة طاقم أو أطقم لأي قناة فضائية في دولة قطر، وإعطائهم حرية التغطية دونما رقيب في أي من الأماكن التي ادَّعت القناة وجود قوات تركية أو مظاهرات فيها. وإذا ما حصل ذلك، وأتمنى أن يحصل، فإن هذه الأطقم لن تصور إلا صور (تميم المجد) على البيوت والسيارات وفي الأحياء القطرية كلها. ولن يصوروا إلا الإنجازات القطرية التي لم تتوقف رغم الحصار!؟ ولن يصوروا إلا الحياة الآمنة المطمئنة في قطر! الصحف تصدُر في مواعيدها، الطلاب يذهبون إلى جامعاتهم ومدارسهم في الموعد، الأمهات يأخذن أطفالهن إلى الرياض الراقية، مطار حمد الدولي وميناء حمد في حركة لا تهدأ، دون التفات للحصار وتبعاته. للأسف، لقد بالغت تلك القناة، ولربما لم تجد موضوعًا سلبيًا ضد قطر، إلا اختلاق فكرة المظاهرات وانتشار القوات التركية في الشوارع الرئيسية. ويتم الآن الحديث مطولًا – ضمن حملات الكذب – عن " تعويضات" يطالبون قطر بها، وحتى الآن لم يطالبوا بتعويضات عن خسائر (العوامية) بشرق المملكة العربية السعودية، ولربما يفكرون في ذلك مستقبلًا، بتعويضات عن انهيار عمارات في مصر؟! هذا التخبط يمينًا وشمالًا من أجل وضع قطر في "فريق الشر" لن يفيد، ولن يخدم الموضوعية في إعلام دول الحصار! قد نتفهم حاجة مصر إلى "تعويضات" كما أسماها بيان المطالب الثلاثة عشر (التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب الدول الأربع بسبب السياسية القطرية خلال السنوات السابقة) لأن مصر تعاني ما تعانيه من سوء الإدارة وانهيار الوضع الاقتصادي، ولكن ماذا تريد دول الحصار الغنية؟ كما أن الكلام أعلاه مضحك ومبكٍ في الآن، إذ ما هو "الكسب" الذي عرقلته دول قطر في تلك الدول؟ للأسف، أصبح المتلقي العربي أسير لغة الكذب، وقذف الاتهامات دون وعي، وكأننا في عام 1967، حيث الإعلام الحربي /النفسي، الذي أراد أن يُزيل "آثار العدوان" عن الذات العربية المكسورة عامة، والمصرية خاصة، بعد هزيمة يونيو 1967. إن عالم اليوم لم يعد يستحمل أو يستوعب لغة الكذب بهذه الصورة التي تستبيح عقل المتلقي، وتلغي تفكيره وحقه كإنسان، وتُحوّله إلى متلقٍ سلبي، ليس من حقه إبداء رأيه فيما يأتيه من أعلى، نتيجة إعلام رسمي لا يرى إلا صورته في الإطار، و "يغتصب" موجات الأثير دون صك شرعي. العالم العربي كله يعيش دهشة موقف دول الحصار من دولة قطر! سألني مواطن مغربي في (طنجة): "أنتم في مجلس التعاون مثال للوحدة العربية، فكيف يحدث هذا بينكم؟"، يقصد حصار "الأشقاء" لدولة قطر. نظرتُ إلى وجهه الذي أعرفه منذ سنوات، قلت: "قوى الشر لا تدع شعبًا عربيًا أو منطقة عربية إلا وعبثت بها وفرضت عليها "ربيعًا " غير مرغوب فيه على الطريقة " الهولاكية" التي لا يستوعبها العالم المتحضر". فيا أهل الفضائيات حاذروا من وصول الكذب إلى غرف أطفالكم!؟ لأن آثار ذلك ستكون كوارثية على مستقبلكم.