10 سبتمبر 2025

تسجيل

من يجمع ريش الطيور؟

08 أكتوبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); رغم كل المديح الذي يمكن أن نطلقه بحق المرحلة التي تمر بها الأمة على صعيد كسر حواجز الخوف وزيادة مساحة الحرية واستهداف الظلم الآن أنها مرحلة تراجع فيها الصوت العاقل والرأي الراشد والمنطق لمصلحة الصخب والصوت المرتفع والتراشق بالاتهامات وأحيانا الشتيمة بلا منطق أو حجة أو حتى وجه حق.إنها مرحلة تحدث بها الناس بكل ما يريدون حتى ما هو منطلق من ضعف الوعي أو أحقاد أو نقص المعلومة أو حتى من حالات الحرمان الاجتماعي والسياسي، تحدثوا بأسماء حقيقية أو وهمية، هتفوا في الشوارع علنا، وكان الفضاء الإلكتروني عبر ما يسمى التواصل الاجتماعي منبرا أو أشبه بديوانيات أو مضافات حفلت بنسبة من الآراء الصادرة من العقل والتجربة وكانت أصواتا للعقل، لكنها اكتظت بنسبة أكبر من الآراء التي يغلفها التوتر وأحيانا روح الانتقام من كل شيء، واستباحة أي شخص، وكميات من الاتهامات التي تأتي بديلا عن النقاش العقلاني للمواقف والآراء. حتى من يسمون أنفسهم نخبا فكرية أو اجتماعية أو سياسية دخلوا منطقة حظر صوت العقل، فكان الفضاء الإلكتروني وغير الإلكتروني ساحة لممارسة إرهاب خاص، وسلاحه الاتهام والشتيمة ورفض أي آخر واحتكار الحقيقة والوطنية والثورية، وكل هذا على حساب صوت العقل والمنطق، ولهذا ضاقت مساحة المخلصين، لأن كل فرد أو مجموعة جعلت مساحة الإخلاص والوطنية والصدق بمساحة من خرجوا من حيّز الاتهام والشتم الذي تمارسه. بعد سنوات من فعل وقول كل شيء في عالمنا العربي حتى ما قام به أهل الإرهاب من قتل وإجرام وتكفير، نحتاج إلى ساعات صمت لنعطي صوت العقل حقه ومساحته لعل هذا يخفف عنا جميعا بعض الأثمان التي ندفعها من أمننا واستقرارنا وحريتنا وحق كل إنسان في حياة طبيعية.إنها لغة العقل التي لا غنى عنها لمجتمعات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بل هي من مستلزماته، لأنة لا يستقيم أن يمتلك الناس حق التعبير بكل حرية مع حالة انفلات تصل إلى حدود استباحة كل شيء حتى خصوصيات الآخرين، وأن يمتلك كل فرد "حق" اتهام من يشاء دون دليل، وأن يكون الفضاء الإلكتروني وبعض الإعلام وسيلة للتطاول وبث الأحقاد وتوجيه الشتيمة بحجة أن الفضاء مفتوح ولا سيطرة لأحد عليه.الحكومات والأنظمة السياسية لديها أدوات للدفاع عن نفسها ومعاقبة من يتطاول، وهناك دول وضعت تشريعات تعاقب من يتطاول على أي فضاء أو وسيلة تعبير، لكن ماذا عن سلوكنا نحن البشر مع بَعضنَا البعض، وماذا عن الإشاعات والاتهامات التي ننشرها وتتحرك بين بيوتنا ومكاتبنا وشوارعنا، أنه زمن الصخب الذي يعبر فيه البعض عن أمراض يعاني منها تحت عنوان الحريات وحق التعبير وربما الثورة على الظلم!.وأخيرا نتذكر حكاية قديمة تقول إن إنسانا ذهب إلى حكيم يطلب منه وصفة لمعالجة آثار نشر إشاعة ظالمة، فطلب منه الحكيم أن يجمع كمية من ريش الطيور وأن يقوم في ليلة عاصفة بوضع على باب كل بيت من أهل الحي الذي نشر فيه الإشاعة ريشة، وأن يعود في الصباح ويجمع الريش، وعندما عاد في الصباح لم يجد أي ريشة في مكانها، فقال له الحكيم: كذلك الإشاعة وقول الظلم والكذب ليس من السهل إزالته بعد نشره. ‏‫