11 سبتمبر 2025

تسجيل

رصيد..

08 سبتمبر 2022

حاولت ان اضع عنوانا لمقالي هذا الاسبوع، وبحثت كثيرا لكني وجدت ان كل عنوان اخترته كان يعكس زاوية معينة من موضوع مقالي، لذلك اعتمدته بكلمة واحدة تتناسب وكل زاوية وتمثل ما نحاول ان نحصل عليه او نجمعه في حياتنا ونتركه ارثا بعد مماتنا تحت معنى “الرصيد”، وهو كذلك ايها الأحبة فرصيدنا في الحياة يأتي في شكل ملموس ومعنوي، فالحياة لا تمضي بنا ونمضي خلالها تاركين اثرا وجامعين رصيدا نحن من نختار نوعيته. ربما اعتقد البعض ان مقالي من عنوانه سيكون مقالا بنكيا ماليا يتناول الارصدة المالية والوضع الاقتصادي او ربما اشير في سطوري لحساباتنا البنكية التي نتسابق مع الوقت لتكون ممتلئة لعلها تحقق لنا الرفاهية المنشودة وسعة الرزق المطلوبة وتحفظ لنا بحبوحة العيش في آخر ايامنا. لكني سأكتب عن رصيدنا الآخر، ذلك الرصيد الباقي والمستمر وان هرمنا او توفانا الله، رصيد يتحدث عنا في غيابنا، يشفع لنا ذكرنا ويستحضر طيفنا في اماكن كنا يوما ما جزءا منها، رصيد لا يخضع للأرقام ولا يصبح مادة دسمة عند غيابنا. نظرة البعض المحدودة تجعله يعتقد ان الرصيد يرتبط فقط بالمال وان الناس ستذكره لماله وكم في رصيده البنكي واملاكه التي يشار لها بالبنان وقد يكون ذلك صحيحا بنسبة ما وليس من الخطأ ان يصنع الإنسان رصيدا ماليا له يتكئ عليه في ايامه، لكن من سيتحدث عنه في غيابه هو ذلك الرصيد من الذِكر الطيب والمحبة والاحترام فرصيد المحبة الصادقة الذي نمتلكه في قلوب الناس حتى وإن كان من شخص واحد، هو الرصيد الذي سيمكننا من تسديد ديون الحياة مهما كانت غالية وأن يحبك الناس وأن تحبهم ليس شيئا عاديا أو سهلا بقدر ما هو كرم رباني أكيد، فمحبة الناس لنا طموح للجميع وحبنا للناس اﻵخرين طيبة قلب أساسها اﻹيمان والرضا. الحقيقه أن تحب الناس فتلك إرادتك كنتيجة ﻷفعالهم معك، لكن أن يحبك الناس فهو بإرادتهم كنتيجة ﻷفعالك معهم، والمطلوب الاثنتان لتتوازن الحياة ويسير مركبها، فمحبة الناس وحبهم كنز يغذي الصحة النفسية والراحة والطمأنينة والسعادة والرضا عن النفس صوب القناعة والراحة، وأن يحبك الناس وأن تحبهم حتى إن كانت نسبة هذه المحبة بسيطة نوعا ما، فإنه ليس شيئا عاديا أو سهلا بقدر ما هو كرم من رب العالمين علينا، فمحبة الناس لنا طموح ومطلب وأمنية يتمناها الجميع لأنها الرصيد الحقيقي الذي نستخدمه في معاملاتنا اليومية مع البشر، ومن واقع الحياة لكل إنسان رصيده الخاص من كل شيء سواء صحة او جمال او مال او سلطة او شهرة وغيره، ومن واقع الحياة ان هذا الرصيد ينفد ولا يبقى للإنسان سوى الرصيد الحقيقي ذاك الكنز الذي لا ينفد وإن رحل من محبة الناس الخالصة لمعدنه، هذا الرصيد التراكمي الذي يبدأ من صدق القول ويمنحك المصداقية التي تكتسب ثقة الآخرين ومع الثقة تصل الى كسب حبهم واحترامهم، والشعور بمحبة الناس لك لا شك أنه شعور جميل بل إنه طاغ يمنحك المزيد من النشوة التي تجعلك تشعر بالفخر بأنك تملك كل هذا الرصيد الإنساني الذي يحمّلك مسؤولية المحافظة عليه وتنميته، وقد يقول قائل وماذا أستفيد من محبة الناس لا هي مال أستفيد منه ولا منصب يعينني في الحياه فأنا قوي ولدي السيطرة والمال والمكانة والقوه، ويحق للقائل ذلك ولكن من سيذكر كم تملك وماذا اشتريت وابتعت في غيابك، هم سيذكرون منك سمعتك الطيبة وذكرك الجيد واخلاقك التي تتحدث عن تربيتك ومعدنك، فحب الناس لنا نتيجة وليس سبب. "لقد نفد رصيدكم" هذه العبارة التي نسمعها حين ينفد رصيد الهاتف او الحساب البنكي، وقد ينفد ايضا من قلوب الناس تجاهنا ومن احترامهم لنا وثقتهم فينا وشوقهم في غيابنا، ولعل الذكاء العاطفي ان تبني علاقة جيدة مع الآخرين فالكثيرون لا يعرفون ولا يهتمون بتكوين هذا الرصيد وقد لا يدركون اهميته في الحياة، فهؤلاء اقل ما يمكن ان يصفوا هذا الرصيد بأنه غير مفيد فلن يزيد رصيدهم المالي ولن يحقق لهم ثروة او منصبا فماذا لو لم يحبني الناس؟! هكذا يتساءلون باستخفاف. بالمناسبة هناك ارصدة كثيرة في الحياة لا تقدر بثمن، فرصيد حب الناس ورصيد الصحة ورصيد العلم ورصيد الصبر على الابتلاء، لذا عزيزي القارئ من قلب محب اقول لك جدد اسلوب حياتك واملأ ارصدتك الباقية فإن حلّ غيابك بقيت ذكراك الطيبة. أخيرا: يقول الشاعر إيليا أبو ماضي: 
أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا، لولا الشعور الناس كانوا كالدمى