12 سبتمبر 2025
تسجيلالسلام في اللغة بمعنى الأمان والسكون، والأمان ضد الخوف، والسكون هو الطمأنينة، والطمأنينة هي الحياة، ولا حياة مع الفوضى التي ستجعل الجميع في مواجهة الخراب والموت. والأمن كلمة واسعة النطاق، فهي تشمل أمن الدول والناس، وتضم الأمن القومي والداخلي للدول، والأمن المجتمعي والاقتصادي والمعلوماتي والفكري والثقافي والبيئي، وغيرها من الأنواع الهادفة لحماية الدولة والمواطنين. وحيثما وُجد الأمن وُجدت الأغصان المتعانقة، والأرواح الساكنة، والحياة الهادئة، والتعليم النموذجي، والتعايش الاجتماعي. ولأهمية الأمن والسلام نجد أن الدول المعتبرة والمنظمات والمعاهد الرصينة تهتم بقضية السلام العالمي والإقليمي ومن هنا وُجِد (مؤشر السلام العالمي) التابع لمعهد الاقتصاد والسلام العالمي. والمؤشر محاولة لتقييم وضع المُسالمة للدول والمناطق، وتستند تقييماته على معايير (مستويات الأمن والأمان المجتمعي، والصراعات المحلية والعالمية، ودرجة التزود بالقوة العسكرية). وصدرت يوم 29 يونيو/ حزيران الماضي نسخة العام 2023 لمؤشر السلام العالمي، والذي أشار إلى استمرار تدهور السلام الدولي منذ عام 2014 وحتى اليوم، وبمقدار (0.42٪)، وهذه دلالة خطيرة على نمو التناحر العالمي والإنساني!. ورغم أن أيسلندا تتربع على عرش أكثر دول العالم سلمًا، لكننا نجد بالمقابل أن دولة قطر، ومنذ ما يقرب من عقد ونصف، هي الدولة الوحيدة بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي صُنفت الأكثر أمانا وسلاما مجتمعيا ضمن (25) دولة من بين (163) دولة شملها التقرير، وحازت المركز الأول عربيا، والمرتبة (21) عالميا، وكان مستوى السلام فيها بتقييم (مرتفع)، وبدرجة (1.524)! ولاحظنا أن بعض الدول العربية حازت تقييم (منخفض جدا)، وهي العراق بدرجة (3.006)، والسودان بدرجة (3.023)، والصومال بدرجة (3.036)، وسوريا بدرجة (3.294)، واليمن بالمرتبة الأخيرة عربيا، والمرتبة (162) عالميا، وبدرجة (3.35)! وهنا يتضح الاختلاف بين الدول التي تسعى لغرس الأمان في ربوعها، والدول التي لا تعتني بسلامة مواطنيها. وقضية نشر السلام الإيجابي الدولي والمجتمعي من أكبر المؤشرات على حكمة الدولة ومؤسساتها في زراعة الأمل والعدل والعيش الآمن الرغيد لجميع المواطنين. ويتوجب على الدول الحكيمة أن تعمل على تجفيف منابع التناحر وتوسيع قدراتها لإدارة الخلافات والنزاعات بطرق سلمية ومنطقية بعيدا عن الإرهاب والعنف. وقد أثبتت التجارب السياسية أن العنف الرسمي وغياب العدالة القضائية والمجتمعية من أكبر أسباب تنامي التناحر، وتصاعد الخراب الفكري، وجفاف التعايش المجتمعي. إن الدول التي تبني علاقاتها الخارجية على أسس بعيدة عن القوانين الدولية الناظمة للعلاقات الدولية ستجد نفسها في أقرب اختبار أنها في مأزق دبلوماسي وسياسي عالمي كبير، وبالتالي يُفترض أن تقوم العلاقات الدولية على مبدأ احترام السيادة وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. والكلام عن علاقات الدول الخارجية ينطبق عليها في ترتيب أوراقها الداخلية؛ ولهذا فإن الدول (السقيمة) والتي تقفز على الواقع (الهش) وتحاول نشر (الأمن والسلام) بسطوة القوة غير العادلة ستجد نفسها في مرحلة ما أمام غليان شعبي لا يُمكن السيطرة عليه ولو بأقسى الأدوات المُمِيتة. ولهذا ينبغي على الحكومات الرشيدة العمل على إرساء العوامل الداعمة للسلام الإيجابي، وأن تجعل القانون هو الفيصل لجميع الخلافات، وترفض، وبشدة، فوضى السلاح المُنفلت، وتعمل لحماية المواطنة، وحقوق الإنسان، وتوفير الحياة الحُرة، ولقمة الغذاء الكريمة، والرعاية الصحية وحبة الدواء الآمنة، والتعليم المتطور. وهذه الأسباب الضرورية يمكن أن تكون الأساس لبناء الدولة الآمنة المطمئنة، والتي لا تُبنى، أصلا، إلا بالعدل، ومساهمة المواطن المؤمن بالنظام، والمُقتنع بالمساواة، والحريص على سلامة الدولة وتطويرها! ابنوا دولكم بالعدل ينتشر السلام في ربوعها.