11 سبتمبر 2025
تسجيللقد اطلعت على الكتاب التاريخي "الخالدون المائة" الذي نشره، في عام 1978، عالم الرياضيات والفيزياء الأمريكي مايكل هارت، والذي قام بترجمته إلى اللغة العربية الكاتب أنيس منصور. والكتاب عبارة عن قائمة احتوت على أسماء مائة شخص، رتبهم الكاتب، حسب معايير معينة، بمدى تأثيرهم في التاريخ. ومع أن الكاتب غير مسلم، إلا أنه أُجبر، حسب المعايير التي وضعها، أن يضع رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على رأس القائمة ليكون هو أعظم تلك الشخصيات المائة، في حين أنه وضع المسيح عيسى عليه السلام بالمرتبة الثالثة، وموسى عليه السلام في المرتبة السادسة عشرة، في حين أنه أعطى الترتيب الواحد والخمسين للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وبهذا فإن هذا العالم الغربي يرى أن قيمة الإنسان وخلوده تنبع من عظم الأثر الذى تركه خلفه. واستند مايكل هارت في ترتيب الشخصيات على: 1. أن تكون الشخصية حقيقية عاشت فعلًا. 2. أن تكون الشخصية غير مجهولة. 3. أن يكون الشخص عميق الأثر. 4. أن يكون له تأثير عالمي وليس إقليميا فقط. 5. استبعاد كل من كان على قيد الحياة في وقت تأليف الكتاب. الآن وبعد مرور 40 سنة على إصدار القائمة، فإنه، من وجهة نظري، يجب أن يضاف إلى الكتاب، إحقاقاً للتاريخ، شخصية سطرت أروع الإنجازات، وقدمت مآثر لا تُنسى في أحلك الأوقات، وأوصلت سفينة شعبها إلى بر النجاة والأمان. والشخصية التي أقصدها، وبحسب الأسس التي استعملت في تحديد الشخصيات وترتيبها، نجدها كلها، ما عدا الشرط الخامس، تشير إلى سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الذي أحسن في إدارته لأزمة الحصار التي شنتها دول كنا نعدهم من "الأشقاء". والآن لنرى مدى تطابق الشروط على سمو الأمير المفدى. 1. أن تكون الشخصية حقيقية عاشت فعلاً: وسمو الأمير من مواليد الدوحة بتاريخ 3/6/1980 وبهذا فهو شخصية حقيقية. 2. أن تكون الشخصية غير مجهولة: وسمو الأمير المفدى معروف. فهو من ناحية الأب ابن حمد بن خليفة بن حمد آل ثاني من بني تميم، عرف عن أبيه أنه شخصية مستقلة لا يرضى أن يكون تابعاً، وذو تفكير مستقبلي في كل قراراته، ومتشرب بحب قضايا أمته العربية والإسلامية. أما من ناحية الأم، فهو ابن موزا بنت ناصر بن عبدالله المسند من بني هاجر (اتحدت أسرتها في ستينيات القرن الثامن عشر مع أسر وقبائل أخرى مكونين قبيلة المهاندة التي أسست مدينة الخور)، عرف عنها رغبتها الشديدة في مكافحة الإرهاب عن طريق تنمية المجتمعات وتطوير التعليم؛ ولذلك تم تعيينها مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة للتعليم الأساسي والعالي، وهي ترأس مجلس إدارتي المؤسسة العربية للديمقراطية، ومؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع. 3. أن يكون الشخص عميق الأثر: الكل يعلم أن دول الحصار كانت تراهن بسقوط دولة قطر خلال الأيام الأولى من الحصار، وإلا سوف يتم شن هجوم عسكري للاستيلاء عليها. ولمعرفة سمو الأمير بما يخطط لقطر من قبل إعلان الحصار عليها، فقد قام بهدوئه المعتاد بالتخطيط للأيام القادمة. فطلب من تركيا تفعيل اتفاقية الدفاع العسكري المشترك، وبهذا ضمن عدم تفكير دول الحصار بأي هجوم على قطر. وقام، لعلاقته الطيبة مع إيران، بتحويل مسار الطائرات وسفن الشحن المتجهة من وإلى قطر عبر الأجواء والمياه الإقليمية الإيرانية. وقام سموه، في خلال ساعات محدودة من الحصار، بتوجيه موارد الدولة الاقتصادية لإيجاد البديل لسلع وشركات دول الحصار، وتأمين متطلبات البنية التحتية، ومرافق مونديال قطر 2022، وبهذا فقد ضمن توفر احتياجات قطر وسكانها من السلع الاستهلاكية والإنشائية. ولم يبق عليه سوى التقليل من آثار الحصار على الشعب نفسه، فقام بتوجيه الرأي العام من خلال خطابين، أحدهما في 21/7/2017 والآخر في 14/11/2017 وضَمَّنَ الخطابين كل الحقائق بدون كذب أو تهويل، وحَمِلا في طياتهما الاعتزاز بالشعب القطري والمقيمين، وأن قطر بألف خير ولا تخشى الحصار. وبهذا تحول الشعب من مواطنين ومقيمين إلى كتلة واحدة ملتفة حول قائدها الشاب دفاعاً عن قطر ضد من كانوا يعتبرون، في يوم من الأيام، أشقاء. ولذلك نجد أن حكمة سمو الأمير قد جمعت الشعب تحت سقف واحد. ولم يكتفي سمو الأمير بما حققه للتقليل من آثار الحصار، فقام بتكليف الحكومة بدراسة جوانب العجز، وسرعة معالجتها، في سبيل تحقيق مستوى جيد من الاكتفاء الذاتي. بعد ذلك أصدر تعليماته لمختلف الوزارات والأجهزة الحكومية لتقديم مجموعة واسعة من الحوافز التشجيعية للقطاع الخاص بهدف الاستثمار المحلي في الزراعة والصناعة وزيادة حجم الإنتاج، بما يضمن توفير مختلف السلع في الأسواق المحلية. وصدقت سعادة الشيخة هند بنت حمد آل ثاني عندما قالت "إذا كان هناك شيءٌ إيجابي في الأمر (الحصار)، فهو أننا الآن نركض من أجل الاستدامة الذاتية بدلاً من السير". 4. أن يكون له تأثير عالمي وليس إقليميا فقط: رغم شراسة الحملة الموجهة ضد دولة قطر، فقد قام سموه بإعطاء تعليمات واضحة من أول يوم للحصار على عدم طرد أو "تفنيش" أي من مواطني دول الحصار، وفي هذا فهو كسب الرأي العام العالمي بأن قطر تحترم المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وفي نفس الوقت كسب التأييد من عامة شعوب دول الخليج، لدرجة أجبرت تلك الدول المعتدية على إصدار قوانين لمنع "التعاطف" مع قطر وشعبها، وعقوبة من يخالف ذلك السجن لسنوات عديدة، والغرامة المالية العالية. وعرف سمو الأمير أن أمريكا ترامب، وليس أمريكا المؤسسات، لن تقوم لوحدها بحل الأزمة، فقام بالتنقل بين الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية لفتح علاقات سياسية واقتصادية أوسع معها، وبذلك تحقق لدولة قطر فتح أكثر من 20 خطا ملاحيا مع أنشط الموانئ التجارية في العالم. وفي نفس الوقت كسب تأييد دول العالم لقضية قطر، وتمكن من بناء جسور ثقة معها، مما جنب دولة قطر العزلة السياسية والاقتصادية. وحتى يعطي اطمئنانا أكثر لدول العالم بعلاقاتها مع قطر، فقد قام سموه، من خلال "قطر للبترول"، بالوفاء بالتزامات قطر في مجال الطاقة، حتى مع دول الحصار نفسها، مع تحمل دولة قطر أية تكاليف قد تنتج من تغير خطوط التصدير العالمية. وذهب سموه أبعد من ذلك، فقد أصدر أوامره لـ"قطر للبترول" بزيادة إنتاج الغاز الطبيعي لمواجهة الطلب العالمي المتزايد من هذه السلعة. كل تلك الإجراءات وضعت قطر من ضمن الأوائل في المؤشرات الاقتصادية العالمية. وتصدت قطر، بتوجيهات من سموه، لمزاعم دول الحصار من خلال لجوئها لمجلس الأمن، ومنظمة الطيران، والمنظمة البحرية الدولية، والاتحاد العالمي للبريد، واليونسكو وغيرها، وظهرت بهذه الخطوة أنها أكثر قوة بعدالة قضيتها من خصومها من دول الحصار. وفي الختام، نقول إن كتاب "الخالدون المائة" يجب أن يعدِّل ويكتب في أنصع صفحاته "تميم المجد" الذي قدم لشعبه مآثر لا تنسى في أحلك الأوقات، وأيضاً لما له من عميق الأثر محلياً وعالمياً. فهو قد أكد على استقلالية قرار قطر السيادي، وعزز تلاحم الشعب وتضامنه مع قيادته، وأوصل سفينة قطر إلى بر السلامة. ولا ننسى أن سموه كان حافزاً لتطوير قطر الذاتي من أجل استدامتها بعيداً عن الحاجة إلى دول الجوار. والعجيب أن سموه فعل كل ذلك وهو دائم الابتسامة وقليل الكلام، مما أظهر قوة الموقف القطري في التعامل مع الأزمة الخليجية. نسأل الله أن يطيل عمر قائدنا وملهمنا في الخير ويؤيده بنصر من عنده على من عاداه وأن يديمه لشعبه وأمته العربية والإسلامية. والله من وراء القصد ،،