14 سبتمبر 2025
تسجيليتغير العالم بخطوات سريعه،وإذ شهدت طبيعة المصالح تغييرات تدريجية مهمه تراكمت عبر فترة زمنية ،فقد آن أوان انعكاسها وتحولها إلى علاقات وتحالفات سياسية وربما استراتيجية أيضا.وكنا توقعنا أن تشهد العلاقات الدولية والإقليمية تغييرا كبيرا في التحالفات في المقال المنشور على صفحات الشرق الغراء، تحت عنوان "أمواج تغييرات في التحالفات الدولية بالشرق الأوسط" (نشر بتاريخ 17-6-2016 )وقلنا فيه نصا (قد نرى روسيا ،تعود لتركيا في وقت ليس ببعيد ،على حساب إيران والنظم الطائفية في العراق وسوريا ،ونحن نتابع الآن روسيا وهي ترفع نفسها تدريجيا من مأزق التحالف والارتباط بهذا التحالف (الطائفي) الذي أدخلها في ورطة عداءاته على صعيد الرأى العام العربي والإسلامي،بما يفتح الطريق مجددا لعلاقات غير عدائية مع تركيا)كما أشرنا في المقال إلى تغييرات تتعلق بدور إسرائيل في إعادة ترتيب الإقليم ..الخ.وقد شهدنا حدوث تحولات كبيرة خلال الأسابيع الماضية،إذ جرت تسوية للملفات الخلافية والصراعية بين تركيا وإسرائيل ،كما دارت عجلة العلاقات الروسية التركية في اتجاه التهدئة وإعادة العلاقات ووقف التوتر المتصاعد بين البلدين .وهكذا ،جاءت أحداث الطلاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى –الذي جرى عبر استفتاء شعبي كان أشبه بانتظار وقوع حدث عالمي كبير -لتشتعل العقول بالتحليلات حول حجم هذا التغيير الجاري ومدى تاثيراته.وواقع الحال أن الحدث البريطاني ليس حدثا تقليديا وليس مجرد حالة انفصال عن كيان أوروبا ،ولن تقتصر تأثيراته – كما يتصور الكثيرون-على بنية الاتحاد الأوروبي ومؤسساته ومستقبله فقط ،بل نحن أمام حدث سيؤثر على التوازنات والعلاقات الدولية بامتياز ،إذ هو ليس ببعيد عن التغيير الحاصل في معالم قوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أو هناك على أسوار الصين ،ولا ببعيد عن التطور في أوضاع الممارسات الروسية تجاه أوروبا ،ولا عن عودة ألمانيا للعب دور القطب الدولي ،ولا عن إحياء الظاهرة الاستعمارية وتفعيل أدواتها مجددا.وفي الأصل يجب إدراك أن أوروبا تعود إلى دورها القديم ،حين كانت صانعة التحولات والتغييرات في العالم ،وأن أوروبا لم تعد في نفس الوضعية التي عاشتها تحت الحماية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية ،بما أخضعها لأنماط محددة في العلاقات الدولية .كما لا يجب نسيان أن الخلافات والصراعات التاريخية بين الدول قد تتغير أشكالها ،غير أن جوهر أسبابها الجيواستراتيجية لا يتغير –إلا بقرارات تاريخية تعكس مصالح جديدة ثابتة-وفي ذلك ينبغي الإشارة إلى طبيعة الصراع البريطاني الألماني خلال حقبة الحربين العالميتين الأولى والثانية ،والدرس الألماني الفرنسي الذي اعتبر أن كل الصراعات التاريخية بين البلدين انتهت لمصلحة الدول الأخرى المنافسه لكليهما.ويمكن القول باختصار أننا أمام إعادة إحياء حالة الصراع التاريخي في القارة الأوروبية من جهة ،وامام تحولات في التحالفات الدولية من جهة أخرى .وإننا سنشهد عودة للصراع الألماني البريطاني مرة أخرى .ويمكن القول بأن بريطانيا ذاهبة إلى تحالف عميق مع الولايات المتحدة –يستثمر ضعف أمريكا كما استثمرت أمريكا ضعف بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية-فى مواجهة تحالف عميق آخر تشكل بين ألمانيا وفرنسا ،وأننا سنرى نمطا متغيرا في العلاقات الألمانية الأمريكية والألمانية الروسية في الاتجاه الآخر والبريطانية الروسية في اتجاه ثالث،وأننا قد نعيش عالما يتناغم فيه اليمينون الفاشيون ،الأمريكي والبريطاني ،في مقابل مواقف دولية قلقة ومضطربة من تأثيرات تلك الحالة التي ستمثل التهديد الدولى الاخطر.لقد كان الاقتراب البريطانى البطىء من الاتحاد الأوروبي أحد المؤشرات على القلق البريطانى من الهيمنة الألمانية الفرنسية على أوروبا ،كما تابع الكثيرون كيف وقفت ألمانيا ضد تصعيد الصراع مع روسيا على خلاف بريطانيا وكيف وقفت ضد الموقف البريطاني الداعم لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ،وهى وقائع ستترجم بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى خلافات أعمق وذات طبيعه دولية.وليعذرنا الجميع ،إننا عشنا وقائع استفتاء شعبي بريطاني بطعم صراع داخل أروقة صنع القرار البريطاني ،ولذا أقدم كاميرون على طرح القضية للاستفتاء الشعبي.