17 سبتمبر 2025
تسجيلفي لقائه مع عدد من وسائل الإعلام المصرية المتحولة قال الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه كان يتمنى لو أن السلطات الأمنية المصرية قامت بترحيل صحفيي الجزيرة بدلا من محاكمتهم، وهذه الجملة تعد كارثة في المنطق السياسي والخطاب الرئاسي، فكيف لم يعرف أو يفهم الرئيس أن إثنين من صحفيي الجزيرة المعتقلين هم أبناء مصر أحدهم يحمل الجنسية الكندية، ولكن هل بات الاستعباط والجهل والتحاذق سببا في تبرير صعود نجوم الفن السياسي على غرار الفن المسرحي الهابط، كيف لرجل يقول أنا رئيس مصر وهو لا يعرف معنى ترحيل مواطن من بلده. في أول نسخ المساخر المصرية على خشبة المسرح في سبعينات القرن الماضي كان الممثل عادل إمام يقود عصابة الأشقياء الصغار نحو النجومية حيث قدموا مسرحية " مدرسة المشاغبين " وذلك بعد أيام من معارك حرب أكتوبر التي لا نزال نتغنى بها رغم أنها لم تحرر شبرا واحدا من أرض مصر أو الجولان وفلسطين، وفي مدرسة المشاغبين التي يبدو أنها قد فرّخت مدارس سياسية للمشاغبين الكبار، يقول الممثل سعيد صالح أو "مرسي الزناتي" حسب نص المسرحية إن مذيع البي بي سي قال في نشرة الأخبار: مرسي الزناتي إتهزم يا رجالة، وبعد نقاش مع الممثل يونس شلبي " منصور"، يقول مرسي جملته الشهيرة: "الواد منصور ما بيجمعش ". اليوم بعد أربعين عاما وأكثر من الممكن أن يعاد ذات المشهد فالرئيس "ما بيجمعش والحكومة ما بتجمعش " ولكن في مسرحية أخرى لأن " العيال كبرت " وهذه المسرحية بطلها سعيد صالح الذي انفصل عن رفيقه عادل إمام والذي أصبح زعيما وقدم مسرحية الزعيم، في نسخة من المشاهد الهزلية تنتقد حالة الرئاسة المصرية على زمن مبارك، فيما اليوم الرئيس الذي يتكلم هو شخص يستطيع "مرسي الزناتي " أن يصفه مرة أخرى بذات الوصف للمرحوم "منصور" ليقول له: الواد دا ما بيجمعش، الأسلاك ملخبطة، والسبب أنه قد يعلم فتلك مصيبة أو قد لا يعلم وتلك أكبر بلوى، فإلى أين يرحلهم؟ إلى أستراليا جميعهم؟! عندما يخرج السيسي على الناس ويطمئنهم أن الأوضاع الأمنية أفضل بكثير مما سبق، والديمقراطية لا تتحقق إلا بالتدرج، وعلى الشعب أن يعطوا الحكومة الوقت الكافي لتحقيق مطالب الشعب وسيقطف الثمار بعد سنتين أو ثلاث سنوات فهذا استعباط، ولو حسبنا السنوات لوجدنا أنه يطالب بخمس سنوات لأن ما بدأته حكومة الرئيس محمد مرسي استغرق سنة، وجيء بحكومة المؤقت عدلي منصور، وهاهو يطالب بثلاث، فله خمس من السنين، فيما لم يترك الرئيس مرسي وحكومته ليعملوا لسنتين ثم يتم تقييمهم، بل إن ما يطالب به السيسي اليوم وتوافق عليه كل القوى السياسية المهزومة أخلاقيا في مصر لم يتم منحه للرئيس مرسي، بل انتزعت منه ولاية دستورية ديمقراطية قد لا تأتي بمن نحب أو بالأصلح ولكن هذا ما جرى. من يتابع المشهد بتروي ويربط الأحداث التي تجري اليوم في مصر مع التاريخ العسكري للحكم، يجد أن التاريخ يعيد إنتاج نفسه بنسخ رديئة من الشخصيات والأنظمة، تماما كما هي مسرحيات الفن الهابط التي تستخدم ممثلين درجة رابعة أو عاشرة ليلعبوا أدوارا مضحكة ويمنحوا ألقابا ولا يصفق لهم أحد لأن الجمهور هو ذات الجمهور المغفل الذي يجلس على ذات المقعد منذ عقود مضت.أن حلقات دمقرطة الدكتاتورية وتحليل الحرام السياسي وشيطنة ومحاكمة المعارضة وإعدامهم بوقت أسرع من تحليل الورم السرطاني كلها باتت مسلسلة لا تنتهي لأن عنوانها هو إعلام الجدل البيزنطي لإثبات ما لا يمكن إثباته رغم عدم وجوده، ولكن إثبات وجود "الغول أبو عين وحده " بات ممكنا في السياسة العربية الرديئة التي تستهبل الناس، وليست هذه بمشكلة بل المشكلة أن الجمهور المستهدف بهذا الإستهبال باتوا يستمتعون بلعب دور المغفلين، وتلقائيا يتحولون إلى فريق دفاع عن أنظمة كريهة ورؤوساء بشعين جدا، فهل فعلا أن الناس باتوا يحبون من يستغفلهم ويضحك عليهم بـ " جوزين كلام عبيط "؟على الحكومة المصرية إطلاق سراح الصحفيين الثلاث (باهي محمد ومحمد فهمي وبيتر جريسته) وأن تتوب سياسيا وتعيد الاحترام والمكانة العالية للقضاء المصري والإعلام المصري ولصيغ الحرية والمواطنة الصالحة لذلك الشعب الطيب، وأن ترمم علاقتها مع العالم على أسس من الاحترام المتبادل، وتبني جسور جديدة مع الشعب على قواعد الحرية والديمقراطية وحرية الإعلام والتعامل بمدنية مع البشر، فليس من المعقول تحدي دول العالم الحر برفض مطالبتها بكبح سلطة العصا الغليظة وإطلاق سراح الزملاء والجميع يعرف أنها تهم لو ثبتت صحتها لا تعادل تهمة واحدة من تلك السقطات والتجاوزات والشتائم والتحريض الذي يقدمه مجموعة من مذيعي برامج منحط على شاشات التلفزة المصرية التي اختطفت.