10 سبتمبر 2025
تسجيلنتحدث ونناقش ونستشهد ونضرب الأمثال لتقريب وجهات النظر أو لإقناع الطرف الآخر، وقد نختم الحديث بجملةٍ نحفظها عن ظهر قلب أو نرثها من سنين غابرةٍ أو تكون قد قِيلت في زمنٍ لا تتشابه ملامحه مع هذا الزمن، فليس دائما الطيور على أشكالها تقع، فالحياة أوقعتنا على غير أشكالنا وأجبرتنا على الكثير من الوجوه التي لا تشبهنا أبداً. تعال معي لنفكر بصوتٍ عالٍ، فالكثير من الناس يستخدمون المثل المعروف "الطيور على أشكالها تقع" للإشارة إلى أن الأشخاص المتشابهين في الأفكار أو الصفات ينجذبون لبعضهم البعض، وبسبب هذا التشابه يحدث الانسجام، ومنطقياً تبدو الفكرة صحيحة، وهو القانونُ الذي يجعَلُ الطيور أيضاً تنقادُ إلى مثيلاتِها وأسرابها وهو التقارُب والتلاقي، فالغُراب مع الغُراب فلا يطيرُ الطيرُ إلا مع بني جنسه، وبالنسبة للبشر فقد اعتاد الكثير على مصاحبة من يشابههم في الشكل والجوهر، وقد تكون هذه المصاحبة نتيجة انجذاب فطري عفوي، ليُشكل الناس مجتمعاً متكاملاً وكاملاً، بالمقابل غالباً ما تنشأ المشاكل من فرضية أن الآخر مثلنا لكنه غير مشابه لنا ولا لطبائعنا وقراراتنا دون اعتبارٍ لاستقلاليته كإنسانٍ يختلف جينياً وبالتالي شكلياً وفكرياً وهذه فطرة الله في خلقه. إذاً ليس على هذا المثل أن يتسيّد قائمة الأمثال حين نرى أن الحياة أوقعتنا على غير من لا نشبه خُلقاً لا خَلقاً وجوهراً لا منظراً وهو إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر، والصلاح والفساد وأن الخيِّر من الناس يحنّ إلى شكله والشرير يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع حسب الطباع التي جُبلت عليها من خير أو شر، فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تناكرت، دون أن نغفل أن الظروف في كثيرٍ من الأحيان تُجبر الإنسان على أن يتعايش مع من لا يُشبهه ولا يتفق معه وكأن الطريق جمعهما لزمنٍ ما ولحكمةٍ لا يعلمها إلا الله، لذلك أظن أن الأمثال ما هي ألا مقولةٌ وقتيةٌ وليست جزميةٌ تُطبق على مر الأزمنة، حيث تتغير الظروف وطبيعة الحياة من حقبةٍ لأخرى. ولنتفق، إذا كانت الطيور على أشكالها تقع شكلاً وجوهراً وتواصلا فأنت عزيزي لست طيراً بل بشر أكرمك الله بالعقل وجعلك قادراً على أن تُميّز بين الأشكال التي تليق بك وتليق بها، فاختر الطيور التي ترافقها في سِربٍ يستحق أن تكون واحداً منه. أخيراً: إذا كان صحيحاً أن " الطيور على أشكالها تقع" فالأكثر صحةً أن الحياة ليست السبب في اختياراتنا السيئة.