14 سبتمبر 2025
تسجيلمرحلة الطفولة المبكرة من أهم المراحل في حياة الإنسان. فهي بداية التأسيس في تطور شخصية الطفل، وفيها تنمو قدرات الطفل، وتتفتح مواهبه، ويتم وضع البذور الأولى لبنائه، وتحديد اتجاهاته، وميوله وغرس معايير ثقافته وتقاليدها ويكمن فيها أساس شخصية الفتى الراشد.وعلى مدى فترة نمو الفرد وحتى مرحلة الرشد، تؤدي سنوات ما قبل المدرسة أهم دور في تحديد قدرة الفرد على التحصيل، والتوافق ، وتقمص دور جنسه، والمنافسة ، ونضج السلوك، فمنذ بداية فترة الرضاعة وحتى بداية الالتحاق بالمدرسة، تظهر على الطفل أكثر التغيرات وضوحاً في المظهر، والكفاءة البدنية، مهارة الاتصال والقدرة على التوافق والاستقلال؛ حيث يتحول الطفل من مخلوق لا حول له ولا قوة إلى فرد يستطيع الاعتناء بقدر كبير من حاجاته اليومية، ويمكنه التأثير في سلوك الآخرين، والتنبؤ به، والانصراف عن المنزل للاختلاط بأنداده، وأداء عديد من الأنشطة.وقد كان تعليم طفل ما قبل المدرسة محل اهتمام كثير من الفلاسفة؛ وارتبط الاهتمام بالأطفال بأسماء لامعة في مجال التربية. ابتداء من الفيلسوف "كومينوس" الذي تحدث عن "مدرسة الأم" التي يهتم فيها بتربية الطفل منذ لحظة ولادته، وفيها يتعلم الطفل كيف يتكلم ويلاحظ الطبيعة، ومرورا ب "روسو" الذي تحدث عن ترك الطفل للطبيعة، تعلمه وتربيه، ثم "بستالوتزي" الذي اهتم بالتربية العقلية للطفل، وإزالة العقبات التي تعترض نموه بما يُسمى بالوظيفة السلبية للمربي، بالإضافة إلى الوظيفة الإيجابية لإثارة المتعلم، وتدريب قواه بتوفير الوسائل والفرص المناسبة. ووصولا إلى المربية الشهيرة "منتسوري"، التي اهتمت بالعقلية التلقائية عند الطفل، والنشاط التلقائي وحب الاستطلاع، وطريقتها التي اعتمدت على التربية الحركية، وتربية الحواس واللغة، "فروبل" الذي اهتم باستغلال رغبة الطفل الفطرية في النشاط واللعب، ونصح بضرورة استخدام اللعب والغناء في تعليم الطفل.وفي السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام بتربية طفل ما قبل المدرسة ، وأصبح يمثل قضية تربوية متجددة ، وأضحى الاهتمام بطفل ما قبل المدرسة ضرورة ملحة لا تفرضها أهمية هذه المرحلة في تكوين الطفل ونموه فحسب، بل تمليها التطورات الاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة في المجتمعات النامية بنحو خاص .ويأتي خروج المرأة إلى العمل على رأس هذه التطورات، حيث أشارت الدراسات إلى أن دوافع خروج المرأة للعمل تتمثل في: الدافع الاقتصادي، تحقيق كيان اجتماعي واكتساب قيم جديدة، إشباع الذات، مرتبة حسب أهميتها بالنسبة لهن.وقد أدى خروج المرأة إلى العمل إلى تقلص دورها في رعاية الطفل ، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى مؤسسة تقوم برعاية الطفل أثناء فترة غياب الأم في العمل، وتُعد دور الحضانة ورياض الأطفال المؤسسة البديلة الأولى التي تلجأ إليها كثير من الأمهات العاملات، وتأتي الجدة للأم أو الأب في المرتبة الثانية .ولعل الزيادة المطردة في عدد الأطفال الذين يلتحقون بدور الحضانة ورياض الأطفال ، يتيح للتربويين فرص الاكتشاف المبكر للمشكلات السلوكية لدى بعض هؤلاء الأطفال ، تمهيدا لعلاجها قبل أن تستشري. فالتربويون يرون أن الطفل العادي قد يعاني بعض المشكلات النفسية في حياته اليومية لا تصل إلى درجة المرض النفسي، ويجب الاهتمام بها وعلاجها، قبل أن يستفحل أمرها وتتطور الحالة إلى عُصاب أو ربما إلى ذِهان، أو على الأقل لا تحول دون النمو النفسي السوي، ودون تحقيق الصحة النفسية.