11 سبتمبر 2025
تسجيلالنظام السورى كرر أخطاء القذافى وصالح فى استخدام العنف ضد الشعب حوالي ثلاثة أشهر على اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا , ومازال الشعب في جهة والنظام في جهة أخرى. كان بإمكان السلطات في دمشق أن تعي الدرس مبكرا وتستخلصه مما حدث في تونس ومصر، وما كان يحدث ـ وما يزال ـ في اليمن وليبيا.. وتقوم بإصلاحات جدية وملموسة وسريعة لتنتزع فتيل الأزمة.. و لكنها لم تفعل، مكررة نفس أخطاء غيرها خصوصا التعامل الأمني المفرط في القسوة. واقع الحال يشير إلى استمرار المظاهرات واتساع نطاقاتها سواء من حيث ضخامة أعداد المنتظمين فيها، أو الوصول إلى مدن ومناطق وقرى أخرى، أو تحولها من أسبوعية إلى يومية، رغم القمع الشديد وموجة الاعتقالات، وشلالات الدماء، وحصار واقتحام المحافظات بالدبابات والفرق العسكرية والعقاب الجماعي لسكانها. كما أن هذه الثورة الشعبية تتجه لتنظيم صفوفها على امتداد الوطن، وكسب مزيد من التأييد والالتفاف الداخلي والخارجي يوما بعد يوم... فثمة أطر لتنسيق حراكها النضالي الداخلي بين الساحات المختلفة بدأت بالتشكل مؤخرا، وثمة تحرك لمعارضة الخارج المحرومة من دخول بلادها منذ عقود لتنسيق جهودها وحشد واستيعاب كافة التيارات والطاقات خارج الوطن لدعم الثورة سياسيا وإعلاميا وحقوقيا، ومساندتها أمام الهيئات والمحافل الدولية كافة، وتنظيم التظاهرات الاحتجاجية..وهو ما ظهر جليا في مؤتمري أنطاليا وبروكسل. وإلى جانب ما سبق تتصاعد يوما بعد يوم إدانات المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني العربية والإسلامية والدولية لتغول النظام على حقوق الإنسان بسوريا، وتلوح في الأفق نذر تحريك شكاوى ضده، فيما تتسع الإجراءات الدبلوماسية وتشتد من قبل دول غربية بما في ذلك فرض عقوبات على رموزه، وتتحول مواقف بعض حلفاء النظام كتركيا والتي أعلنت أنها لن تسمح بتكرار مجازر جديدة كمجزرة حماة التي وقعت عام 1982، وتطالبه بإصلاحات فورية تحدث فعل (الصدمة)، فيما طالبت روسيا دمشق بأن يقترن حديثها عن الإصلاحات بالأفعال. وعلى الصعيد الشعبي هناك استنكار من جهات برلمانية عربية كما حصل في الكويت، والتي دعت لطرد السفير السوري، وشجب من جهات حزبية ونقابية ومن مثقفين وإعلاميين، ومن اللافت صحفيا ألا تخلو وسيلة إعلام من مقال يعالج تطورات القضية السورية، وينتقد بعض ما يجري ضد المواطن السوري من قتل وتدمير، وإصرار على الاستجابة لمطالبه المشروعة، وقد خسر النظام بذلك كثيرا ممن كانوا يدافعون عنه كنظام مساند للمقاومة ويغطون الطرف عن سجله السلبي في مجال حقوق الإنسان. لقد أعطى المواطن السوري في الأيام الأولى لاحتجاجاته السلمية فرصة للنظام كي يجنح للإصلاح , لكن حصاد ثلاثة شهور كانت مخيبة للآمال على النحو التالي: ـ وعود شكلية وخلّبية بالإصلاح ومعالجة التجاوزات لكنها بقيت مجرد أقوال لم يبرهن على أي منها عمليا، بل وأكثر من ذلك فقد كانت كثيرا من الممارسات الفعلية لأجهزة النظام على النقيض من تلك الوعود، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن التحقيقات التي قيل إنها ستجرى بشأن أحداث درعا والتجاوزات التي وقعت فيها باعتبارها الشرارة التي أشعلت وهج الثورة لم يتم بشأنها شيء حتى الآن، ورغم الحديث عن رفع حالة الطوارئ في البلاد إلا أن الاعتقالات بعد الرفع زادت بمرات عديدة عما كان عليه الحال قبلها، وفيما يخص الحوار الوطني مع المعارضة والذي أعلن النظام عنه فإنه لم توجّه دعوات للشخصيات الحزبية الفاعلة في الداخل والخارج، ولم يتم مثل ذلك بغض النظر عن إعلان المعارضة رفضها له مؤخرا لأسباب كثيرة. ومقابل حديث النظام عن إفراجات وإطلاق سراح معتقلين سياسيين في إطار عفو رئاسي ـ أو من دونه ـ بالعشرات أو المئات فإن حملات الاعتقال متواصلة بوتيرة تفوق أضعاف ما يتم الإفراج عنهم، وإزاء حديثه عن قانون وشيك للتعددية الحزبية يصر على إبقاء المادة الثامنة في الدستور دونما تغيير، وهي التي تكرس وصاية حزب البعث (الحزب القائد للدولة). ـ التعامل الأمني العنيف مع المتظاهرين والذي طال حتى الشيوخ والأطفال والنساء وأوقع أكثر من 1300 مدني على الأقل (ارتفاع عدد الشهداء في الآونة الأخيرة مثلما حدث في الرستن وحماة وجسر الشغور)، وإهانة الكرامة الإنسانية وهو ما كشفت عنه لغة الشتم وصور الدوس على الرقاب والرؤوس بالبساطير، والإصرار على رواية رسمية تبرر هذا العنف بسبب وجود " عصابات مسلحة" و " مندسين" بخلاف شهود العيان وتقديرات المنظمات الإنسانية والحقوقية. مجمل ما سبق جعل فرصة التفاهم بين النظام في سورية من جهة، والحشود الجماهيرية الثائرة سلميا في الشوارع والساحات والجهات المعارضة داخل وخارج البلاد من جهة أخرى شبه معدومة وهو ما يبرر إصرار هذه الجهات على رفع مطلب واحد وهو إسقاط النظام، ووصم دعواته للإصلاح وإطلاق دعوات الحوار الوطني بالتأخر والمراوغة والشكلية، والتناقض الكلي مع ممارساته القمعية، ومحاولته كسب الوقت لتجاوز مأزق اللحظة الراهنة... وهذا الواقع بكل مسبباته وتداعياته التي يتحمل النظام وزرها قد تجعل منه الخاسر الأكبر، وتكلفة التغيير السلمي أضخم.