12 سبتمبر 2025

تسجيل

التعليم العالي في قطر: أين تخصص الأقاليم ولغاتها؟

08 مايو 2014

اتأمل دائماً خلفية أي سفير مبتعث من أمريكا أو عدد من الدول الغربية او روسيا الى الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، اجده دائما ما يكون ضليعا باللغة العربية وبدراسات ذات الإقليم. واتأمل المبتعثين الى دول الشرق الأدنى منهم أجدهم ضليعين في اللغة الفارسية هذا على المستوى الرسمي الدبلوماسي.أما على المستوى العلمي والبحثي فتجد مراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الغربية تضج بطلاب منها ومن شتى اصقاع العالم تخصصوا في مجال الشرق الأوسط او الشرق الأدنى في الوقت الذي يحرصون فيه على تعلم لغاته، بل أعني في الوقت الذي تخصص لهم هذه الجامعات برامج لتعلم لغات ذات الإقليم على مستوى احترافي وليست كمقرر او مقررين كـ"مبادئ"، كما تيسر لهم برنامجا يستمر قرابة الثلاثة الى ستة اشهر في دول عربية مثل مصر ولبنان وما تطورت إليه خريطة التعليم اللغوي اليوم لتشمل ايضا دول الخليج العربية. هذا في الوقت الذي تركز فيه معظم الجامعات المرموقة، وحتى الجامعات الوطنية الوحيدة فيها ايضا على قسم خاص أو كلية للغات "الدولية" أو الأجنبية وآدابها.وبالمقارنة انظر إلى قطر فأجد تنوعا كبيرا ومشكورا في مجال العلوم ضمتها جامعة حمد بن خليفة في كليات تخصصية وحيوية مهمة فضلا عن جامعة قطر التي قطعت شوطا كبيرا في مخرجات الدراسة الإنسانية والتربوية منذ افتتاحها ومن ثم أغلقت عددا من التخصصات وفتحت أخرى غيرها في خطوة محمودة بما يتناسب وسوق العمل ومتطلبات التنمية.إلا أنه على الرغم من تلك الجهود المبذولة لم يجد التعليم العالي في قطر طريقا إلى هذين التخصصين أعني: تخصص اللغات الأجنبية كتخصص مستقل في الانسانيات، والتخصص في مجال اقليم بذاته كإقليم الشرق الأدنى وايران او غيره.فجامعة قطر على سبيل المثال على الرغم من انها تدرس اللغة الإنجليزية وادبها كتخصص يضم تدريس مبادئ اللغة الفرنسية فقط، وتدرس اللغة العربية كتخصص يضم مقررين فقط في مبادئ اللغة الفارسية، الا أنها ومنذ افتتاحها لم تشهد تخصصا موازيا في اللغات ولا في مجال دراسات الأقاليم الحيوية ولم يوجد حتى مركز واحد سواء كان علميا او بحثيا يضطلع بها أو يقوم مقامها في البحوث وتعليم اللغات المطلوبة فيها وخارجها في دولها ايضا.جامعة حمد بن خليفة ضمت مؤخرا معهدا خاصا لدراسات الترجمة وهو مهم جدا وحيوي لبناء القدرات ويضم مركزا للغات لكنه يقدم تدريبات لغوية في لغتنا الأم، والفرنسية، والإسبانية فقط. وبالنظر الى رؤيته وأهدافه فإنه يظل ايضا في حاجة الى أن يدعم بتخصص دقيق محاذٍ له في مجال تعليم اللغات الدولية بمقدار اهمية أقاليمها سياسيا واقتصاديا وثقافيا في العالم من شماله الى جنوبه.اللافت للنظر أن الجامعات حولنا تضع خطة برامجية دراسية لذلك، ففي الجوار نجد في جامعة طهران على سبيل المثال تخصصا متكاملا في اللغة العربية في كلية الآداب، ولكن لم يتم الاكتفاء به بل هناك كلية مختصة باللغات الأجنبية وآدابها تدرس ثماني لغات كتخصص شامل اضافة الى تعلم أربع لغات كلغة ثانية ضمن التخصص في اي لغة رئيسة وبما تحويه ايضا بعض هذه اللغات من تعددية فيها كالصينية وذلك على مستويات البكالوريوس،الماجستير والدكتوراه في اتفاقيات علمية ثنائية بينها وبين كل من اليابان، روسيا، باكستان، الصين، اليونان، كوريا، فرنسا، روما، كولومبيا، اسبانيا.وحيث اننا هنا في الجامعة الاسترالية الوطنية، يقدم مركز الدراسات العربية والإسلام (الشرق الأوسط وآسيا الوسطى) إضافة الى التخصص برنامجا لغويا في الدول الأم في كل من الدول العربية، تركيا وايران. ويستمر تعلم كل لغة مدة شهر ونصف الشهر وذلك خلال فترة الإجازة الصيفية للجامعات الاسترالية "ديسمبر — يناير" من كل عام، ويلقى البرنامج قبولا كبيرا من الطلاب رغم عقده في فترة اجازتهم الصيفية.هذا على الصعيد العلمي اما على الصعيد الدبلوماسي فنتمنى ان تكون هناك اتفاقية بين (جامعة قطر — جورج تاون قطر) وبين (وزارة الخارجية القطرية) لإعداد دبلوماسيي المستقبل ليكونوا ضليعين ليس في مجال الدبلوماسية العامة التي يوفرها حتما تخصص الشؤون الدولية في الجامعتين فحسب بل وايضا في شؤون ولغة الدول او الأقاليم التي سيوجهون اليها.خصوصا ان قسم العلاقات الدولية في كل منهما تخصص عام وشامل في كافة مجالات العلاقات الدولية ومن ثم في فرع السياسة أو الاقتصاد... الخ، فضلا عن أن البرنامج في جامعة قطر يجري على نمط التوأمة بينه وبين ذات التخصص في (جورج تاون) ولكنه في الأخيرة في واشنطن يقع على مقربة من قسم دراسات الشرق الأوسط الذي يستقر في قلب الجامعة الأم (جورج تاون — واشنطن) ويمكّن الطلاب بالتالي من خيارات واسعة المجال في مجال الاختياري لا تتاح لهم مثلها أو بدائلها في قطر. وهذا يحتّم علينا هنا بعد تغطية المتطلبات الرئيسة بالطبع تفصيل برامج السياسة والعلاقات الدولية على النظام الذي نريد به تخريج باحث متخصص في بحوث السياسات الدولية التي تنتفع بها مراكز بحوث السياسات الدولية في قطر، او تخريج دبلوماسي متمكن في مجال العلاقات الدولية أدق تخصصيا ونوعيا بما يخدم دولته في بعثات لنطاق أقاليم بعينها.وإذا تجاوزنا الإنجليزية التي نجيدها، فمن الجدير بالذكر أنه تقع ضمن اهمّ لغات تستحب معرفتها لإقليم الخليج العربي بحكم الجوار السياسي والدبلوماسي: الفارسية التي تتحدث بها رسميا ثلاث دول في بؤرة ملتهبة هي "ايران وافغانستان وطاجيكستان " والعبرية" المقحمة في قلب الإقليم العربي سياسيا، ناهيك عن اهمية دراسة الأولى كإقليم والثانية كـ"محتل"، وعليه نتمنى من الجهات المعنية والمختصة التركيز على ذلك حتى تتيسر مخرجات نوعية تحتاجها قطر والخليج العربي في ظل الواقع السياسي والتحولات الأمنية الراهنة لاستقراء واقع وتحليل وتخطيط سياسات لن نقول: طالما تفوق فيها غيرنا علينا، بل طالما اعتمدنا فيها على غيرنا وهي لبّ العمل السياسي الاستراتيجي الذي يستدعي الذات.