20 سبتمبر 2025

تسجيل

كورونا وتخليص الديني من الاجتماعي

08 أبريل 2021

كنت الحظ تدافع الناس لصلاة التراويح بشكل أكثر من حرصهم على أداء فرض العشاء، ترى العدد ضئيلا وما أن يشرع الإمام في صلاة التراويح حتى يتزاحم الناس بشكل شديد مع أنها سنة وليست فرضاً. كنت أرى الآلية تطغى على الروحانية بحكم سيكولوجية الجماعة، كنت أرى الطواف حول الكعبة وقد تحول إلى تكدس وعشوائية، كنت أرى عدم الانتظام في المساجد وقلة الاعتناء بالمظهر ولا بالرائحة، كنت أعيش التعاضد السلبي إلى درجة أن تشم رائحة الأكل من فم من يصلي بجوارك. جاءت كورونا درجات حتى وصل بنا الأمر إلى اقفال المساجد والصلاة في البيوت، رغم قساوة القرار على المسلم إلا أنه مع الوقت أعاد إلى الصلاة اعتبارها في اعتقادي وأعاد إلى الشعيرة وقارها وأعاد إلى النفس سكونها واطمئنانها، رب ضارة نافعة، ثم بدأت العودة التدريجية وفتح المساجد بانتظام وتباعد ومسافات، وأدركنا أن رص الصفوف ليس ضرورياً وليس فرضاً كما كان يعتقد البعض وأن النظافة في الملبس والمظهر أفضل من العشوائية في بيوت الله، وأن احضار الأطفال إلى المسجد ليس سوى تعريضهم للعدوى، وأن الإيمان اطمئنان وليس استعجالا، وأن من يصلي في البيت لا يستحق "أن يُحرق بيته عليه" وأن الصلاة علاقة بين العبد وربه وليست علاقة بينه وبين مجتمعه. اليوم نحن على اعتاب إجراءات مشددة جديدة لمواجهة هذه الجائحة المهلكة إلا أن من بين هذا الفزع تبزغ سكينة ومن بين أنياب الخوف تبدو طمأنينة، على جميع الأصعدة كنا نعيش عشوائية وتكدسا غير منتج وعادات اجتماعية ترتدي جلباب الدين والدين منها براء، جاءت هذه الجائحة لتنظم الحياة على جميع المستويات ومن بينها علاقتنا بديننا وتصفية الدين مما علق به من مظاهر اجتماعية أصبحت من الدين بفعل التكرار، أتمنى أن يستمر التنظيم في المساجد حتى زوال هذه الجائحة، أتمنى أن يستمر التنظيم في بيت الله الحرام كما هو قائم الآن وأن يستمر بعد ذلك، كم أثلج صدري رؤية المصلين في الحرم بهذا الانتظام الرائع الذي يشعرك بعظمة هذا الدين، لو جاء من جاء اليوم إلى مكة ورأى انتظام المصلين في الحرم ونظافة المكان والمسافات الدقيقة بين جميع المكونات سواء البشر أو الحجر لانحنى شوقاً إليه، فما بالك بالذي سمع به مسبقاً وصُدم بما رأه لاحقاً قبل زمان كورونا، هناك منافع تُساق مع البلوى لمن كان ذا عقل رشيد، أبعد الله بلاء كورونا عن الإنسانية جمعاء، وترك دروسها لمن يعتبر ويدرك حكمة الله قبل أن يطلب رحمته. [email protected]