11 سبتمبر 2025

تسجيل

حتى لا نؤكل كما أُكل الثور الأبيض

08 أبريل 2021

من القصص المأثورة والتي تحمل بين طياتها معاني كبيرة وعميقة القصة التي يعرفها كثيرون، والتي تحكي عن ثلاثة ثيران ابيض واسود واحمر تعيش في الغابة بسلام، وكان هناك اسد يتربص بها الا انه لا يقدر عليها مجتمعة، فأقنع الأسد الثور الاحمر والاسود بأن الثور الابيض اكثرها جمالا وزهوا ولفتا للأنظار، وان هما تركاه يظفر به ويأكله سيخلو لهما الجو ويصبحا محط اعجاب الجميع، وافق الثوران وحصل الاسد على مبتغاه وما هي الا ايام حتى جاع الاسد ثانية فذهب للثور الاسود واستخدم الحيلة ذاتها واقنع الاخير ان صديقه ما زال محط انظار الجميع وهو بوجوده يسرق الانظار عنه طالبا منه ان يتركه وحده ليلتهمه، وافق صاحبنا وخلا الجو للأسد وحصل على مبتغاه، وما هي الا ايام حتى جاع الاسد، فعاد يبحث عن الثور الاسود وما ان رآه صاحبنا مكشرا عن انيابه علم ما تخفيه نفسه وهنا اطلق مقولته المأثورة "أُكلت يوم أُكل الثور الابيض". تعطينا هذه القصة عبرة مفادها ان التنازل عن الامور الصغيرة والتي لا تمسنا مباشرة قد تكون شوكة في خاصرتنا، وان الأعداء او المتربصين بنا، لن يطلبوا منا التنازل عن مبادئنا دفعة واحدة، بل انهم يعملون على تقسيطها واستلالها منا رويدا رويدا حتى نجد أنفسنا وقد وقعنا في شراكهم. بالأمس القريب اصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرها عن حقوق المرأة في قطر، وقد أثار هذا التقرير حفيظة الكثيرين، وانبرى الرأي العام بالدفاع وإدانة ما جاء في التقرير مع اصراره على الحفاظ على الهوية والثوابت ورفض ما جاء في التقرير، متهماً المنظمة بالتحيز والمبالغة. ينبغي لنا قراءة المشهد من نواح عدة، كما ينبغي لنا التعامل مع هذه القضية بشكل موضوعي متأن والنظر لها نظرة شاملة لا عبر الردود الانفعالية والمواقف المتشنجة، فمن ناحية عملت دولة قطر على اصلاح منظومتها الحقوقية والتشريعية دون الحاجة لتوصيات من المنظمات الحقوقية، وقد انطلقت مسيرة الاصلاح القطرية في وقت مبكر عبر سن التشريعات التي تنصف المرأة بما يتناسب مع الثوابت والهوية الوطنية، في وقت لا تزال فيه دول غربية عديدة تعاني من التمييز وتفاوت مستوى الدخل بين الرجل والمرأة، ولم تتمكن حتى الآن من تجاوز هذه العقبة، الامر الذي تجاوزته قطر منذ زمن، ناهيك عن الاشكالية التي يعاني منها الاقتصاد الرأسمالي الغربي عموماً من تفضيل بين الجنسين في الوظائف خصوصاً للمرأة الحامل والتي قد لا تجد من يقبل بها موظفة مهما كانت امكاناتها. من ناحية أخرى يمكننا قراءة التقارير التي تصدرها منظمات حقوق الانسان الدولية بشكل ايجابي، فعلى الرغم من التحفظات التي نبديها حيال بعض تلك التقارير والتي تبدو غير منصفة ومتحيزة ومسيسة احياناً، الا ان كثيرا من السلطات في الدول النامية والتي لا تخشى في حقوق مواطنيها لومة لائم قد تتأثر بمثل تلك التقارير، وقد تجبرها على تحسين سلوكها تجاه حقوق الانسان وتمسك يد بطشها من ان تطال المستضعفين من مواطنيها وتدعوها الى الكف عن الممارسات التسلطية وهو امر ايجابي في مجمله. وفي الوقت نفسه، فإن ما يتوجب علينا ادراكه هو اننا نعيش في عالم مترابط تسيطر عليه العلاقات والقوانين الدولية ومن الصعوبة بمكان ان تعيش دولة ما بمعزل عن النظام الدولي، وان تنأى بنفسها عن تأثير التقارير الدولية سواء فيما يتعلق بحقوق الانسان او غيرها من القضايا، ومع ذلك هناك نقطة مهمة لا بد من التنبه لها والتعامل معها، وهي متعلقة بنظرتنا عن انفسنا، فنحن كنا وما زلنا نحرص بشكل مبالغ فيه على الإشادات الدولية ونظرة الآخرين عنا، وعلى وجه الخصوص ما يصدر عن الدول الصناعية المتقدمة، فقد سمحنا لها بتقييمنا وتوصيفنا وابداء الملاحظات على مشكلاتنا الداخلية، في الوقت الذي تغوص فيه تلك الدول في المشكلات والمآسي دون ان نعرب عن قلقنا حيال قضاياهم الداخلية، حتى الاشادات الفردية ووجهات النظر الشخصية فإننا نوليها اهمية كبيرة، فلو ان سائحا تسكع في شوارع مدننا وقال انها جميلة ومنظمة لأبرزت مقولته الصحف بالبنط العريض وكأننا فقدنا ثقتنا بأنفسنا، واصبحنا نبحث عمن يشيد بنا ويمتدح عملنا ويثني على تجربتنا، الامر الذي دعا كثير من الجهات الغربية لتوزيع الإشادات والادانات على الدول ادراكاً منها بمدى التأثير الذي ستحدثه تلك المواقف على بعض تلك الدول. وعوداً إلى ما جاء في تقرير المنظمة المذكورة، ومع تحفظ الرأي العام على ما جاء فيه، فإننا مستمرون في تصديق التقارير التي تصدرها المنظمات الحقوقية عن الدول الأخرى وقد نستشهد بها دون تمحيص وتحقق من مدى صحتها، وهو موقف متناقض علينا التنبه له، كما ان علينا عدم تصديق كل ما تورده تلك المنظمات والتي قد تهدف من خلال تقاريرها الى ابتزاز الدول والشعوب وايجاد مسوغات للتدخل في شؤونها الداخلية واملاء ما ينبغي عليها فعله. وامام هذا الواقع يتوجب علينا تعميق الثقة بأنفسنا وعدم السماح للآخرين بتقييمنا، والا نتعلق بالإشادات الدولية او نهتز للإدانات غير المنصفة، وان نستمر في العمل على اصلاح ما هو بحاجة للإصلاح دون انتظار توجيهنا او تقييمنا من الخارج، فلا توجد دولة ليس لديها نواقص، فالتطور والتقدم والتغيير هو ما يميز الشعوب المتطلعة الى المستقبل. لا مناص امام دول المنطقة من ان تتعاون وتتآزر ليكون لها مؤسساتها المشتركة الفاعلة في المجتمع الدولي ذات التأثير الحقيقي، وان تدرك ما يحيط بها من مخاطر وتدخلات خارجية، والا تسمح اي دولة من دول المنطقة بابتزاز احداها من قبل المنظمات ذات الأهداف المشبوهة مهما بلغت درجة الخلاف بينها، مع ضرورة تقوية جبهتها الداخلية وتعزيز حقوق الانسان فيها بما يتناسب مع واقعها، وهو الضامن الوحيد وصمام الامان الأول ومصدر القوة لها، لكي لا تؤكل كما أُكل الثور الابيض.