23 سبتمبر 2025
تسجيل"العالم قرية صغيرة" مقولة سائدة ومتكررة ومخيفة بفضل الثورة التكنولوجية التواصلية، التي تغلغلت داخل مجتمعاتنا وتجاوزت حدودها داخل أسوار البيوت في كل موقع، بسلبياتها وإيجابياتها، ومن خلالها يمكننا أن نرى العالم ونتجول من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، بأفكاره وثقافته ومعتقداته وأخلاقياته وتقاليده لا خلاف، ولكن ماذا أخذنا من هذه القرية الصغيرة التي حوّلت البيوت الى صحارٍٍ كبيرة من الجفاء والجفاف والبعد، وصاغت أفكار أركانها من الآباء والأبناء؟ ماذا أخذنا من ثوابتها وقيمها؟ هل أحسنا الاختيار في الاستزادة مما هو يناسب أخلاقياتنا، ويتعاطى مع قيمنا، ويتفق مع فكرنا، ويتوازى مع ديننا، هل وضعنا أنفسنا في ميزان التقييم والتقنين لنفث سمومها، قبل أن تسيطر علينا وتحوّلنا كبهائم بما تنقله لنا من عفن أخلاقي بالصوت والصورة والكلمة؟ هل استطعنا أن نحجب ملوثاتها عن سلوكنا وتصرفاتنا وأفعالنا، ونكتفي بالتدّفق المعلوماتي والتواصل الإيجابي مع الآخر، وما يرد فيها من أخبار وأحداث وإنجازات ونطوّر أنفسنا، أم نسينا ذلك أمام المغريات والإباحيات والشهوات المثيرة التي تنقل من مواقعها المتخصصة، لهدم شخصيتنا وزعزعة إيماننا دون التفكير بما ذكره الله في كتابه الكريم بقوله: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" وقوله: "إنَّ اللهّ خَبيرٌ بما يَصّْنعون". ودون التفكر بالإنسانية التي ميزها الله بالعقل والفكر عن سائرالمخلوقات، ولاشك أن ابن خلدون فطن لأهمية القيم الخُلقية في حياة الانسان لذلك قال في مقدمته: "وإذا فسد الإنسان في أخلاقه ودينه فقد فسدت إنسانيته وصار مسخاً عن الحقيقة،" وأسئلة أخرى تصوغها الأحداث السلبية التي صنعتها تلك الأجهزة على الشخصية الإنسانية الضعيفة المدُمنة عليها التي لم تدرك التعامل معها دون هدف سوى الدخول من بواباتها الإباحية المحرمّة والتواصل مع الجنس الآخر فيما حرمّه الله وتطبيقه في الواقع في ممارسة المحرمات دون خوف ووجل من الله ومن العقاب العاجل أو الآجل، لذلك لا نستغرب ما يقع في مجتمعنا من خيانات زوجية لا حدود لها، ومن أعمال سحرية محرّمة لا نهاية لها ولا انفكاك منها، لجذب الآخر والاستيلاء على ما يملكه في زمن البحث عن المادة والثراء والملذات الليلية والشهوات الجنسية الحيوانية التي تقشعر منها الأبدان عند السماع عنها، ظواهر سلوكية دخيلة دخلت مجتمعنا من بواباتها المشرّعة تُمارس دون ضوابط وقوانين وعقاب بجنسيات مختلفة ومتنوعة وبثقافات وأخلاقيات فاسدة، أفسدت البنية الأسرية وزعزعت أركانها، وفرقت بين الأزواج وبين الأبناء والآباء، وتفكك العقد الجميل الذي يربط بينها، لا مودة ولا رحمة ولا سكن ولا مسؤولية، عبث ماديّ.. وعبث أخلاقي، وعبث وقتي، وكما قال تعالى: "أولئك كالأنعام بل هم أضل" أصبحوا يبحثون عن ضالتهم بين أكوام المغريات الإباحية والمحرمات الليلية، في الواقع مع رفاق السوء وبنات الهوى، ومعها تفتقد القدوة وتفتقد الهيبة وتفتقد المسؤولية ويفتقد الاستشعار بالخوف من الله وعقابه. نتقبل أن تصدر تلك الهفوات من مراهق لم يعِ النتائج وتقع مسؤوليته على أبويه بالمتابعة والتوجيه، أما أن تصدر من رب الأسرة المكلف بالمسؤولية، فتلك طامة كبرى في حق الله وفِي حق نفسه وفِي حق أسرته في تعامله مع النت وكأنه رجس من عمل الشيطان. …. نعم أقولها بصراحة وبألم ونحن نرى إمبراطوريات أسرية متماسكة بالحب والمودة والاحترام تتهاوى فجأة وتتساقط أركانها الأسرية بعد سنوات من البناء والتعب والجهد، بعد عشرة طويلة من الود والحب، نتيجة اتساع رقعة الأعمال والسحر والخيانات الزوجية والبحث عن مواطن ممارسة الجنس في الإطار المجتمعي، ومعها جميعاً وباطراد عكسي زاد التفكك الأسري والخلاف الأسري وضُجت المحاكم الشرعية والقضائية برفع قضايا الطلاق، والخلع، وتوافد الكثير على المشايخ لإبطالها لعلهم يجدون ضالتهم التي هوت بأسرهم نحو عالم مجهول من الخوف والتفكك والخلخلة، وفُعّل مركز الاستشارات العائلية دوره لفض النزاعات الزوجية حفاظاً على كيان أسرة آمنة مستقرة قبل الوصول لردهات المحاكم وإحلال الطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله ، ما الذي يحدث؟ وما الذي أحدثته العولمة حتى أصابت بنية مجتمعنا تيارات متلاطمة وتغييرات أثرت على لبناته ومن ثم على الأسرة التي تقع منها موقع القلب النابض والنواة الصلبة، التي أصيبت في معقلها بما يحدث فيها من زعزعة وتفكيك. أليس الضحية في مثل هذه العلاقات الأبناء الذين يدفعون ثمن تلك الانحرافات والنزوات الأسرية والتفكك الأسري، كيف يصلح الأبناء وينشدون الاستقرار، ويفكرون في بناء مستقبلهم في ضوء الخلافات والمشاكل الأسرية، والتصّحر في العلاقات، وانهيار أساس السكينة والاستقرار بفقدان أحد الأبوين في ركام الماديّات، ألسنا على علم بنسبة ارتفاع نسبة الطلاق في دولة قطر حسب ما كشفت عنه الإحصائية الأخيرة لوزارة التخطيط التنموي والاحصاء خلال أكتوبر 2016 من 62% للذكور القطريين، 57% للإناث القطريات، مؤشر خطير في حالة استمرارية لتلك الزيادة، والأخطر حين يكون الطلاق من أجل العفن المادي الذي يدفع الإنسان إلى الرذيلة في وجود أرضية خصبة مهيئة من الماديات ورفاق السوء والمواقع الإباحية في "النت" التي تخاطب الغرائز، بالإضافة إلى وجود أنماط بشرية دخيلة من دول عربية وآسيوية وأفريقية دخلت الدولة من منافذها المفتوحة بلا ضوابط تُمارس الرذيلة والسحر والأعمال والتي اتخذتها مهنة للكسب وزج الشباب من الجنسين في مزبلة المحرّمات، وانتزعتهم من بيوتهم الآمنة إلى أحضانها الملوثة، مع ـ الأسف ـ فُتحت لها الأبواب دون رقيب ولا حسيب ولا متابعة من الجهات المختصة والمسؤولة في البحث عنها وبتر وجودها من المجتمع من باب العولمة والتمازج مع الآخر بكل مكوناته الثقافية والفكرية والعقائدية. ودون توعية بخطورة وجودهم على الكيان الأسري والمجتمعي. والتي يلجأ لأوكارها ضعفاء الإيمان، وضعفاء الفكر، وضعفاء النفس، نسأل الله الصلاح والهداية.