14 سبتمبر 2025
تسجيلهل ما تفيض به كتابات التربويين من تساؤلات أو مقترحات حول تعليم الكبار يجد صدى لدى الساسة أو صانعي القرار التعليمي أو منفذيه؟ أم أن الهوة سحيقة بين البحث التربوي والواقع المجتمعي الأليم في هذا الميدان؟ التربويون يرون في "تعليم الكبار" نوعا من التعليم الذي يقدم للكبار غير المقيدين بمدارس رسمية بهدف تنمية معارفهم ومهاراتهم واتجاهاتهم وميولهم بما يحقق لهم ولمجتمعهم نموا وتحسنا. غير أن هذا المفهوم في كتابات التربويين مطاطي الحركة، لا تكاد تهم بإمساكه حتى يروغ منك فيرهقك كل الإرهاق. فبعضهم يقصره على "محو الأمية" فيجعله مرادفا له، وكأن المصطلحين اسم واحد له جسم واحد!! وبعضهم يرى أن محو الأمية يندس في مفهوم تعليم الكبار اندساسا لا يكاد يبين، فهو يدخله دخول الجني جسم الإنسي، لا يكاد يشعر به أحد، وإن كانت له آثار تُدرَك لكنها لا تُرَى. وبعضهم يعتقد أن محو الأمية جزءٌ فقط من تعليم الكبار ولكنه جزءٌ مرئي ملموسٌ محسوسٌ يمكن الإمساك به، أو قياسه. ويبدو لي أن هذه المفاهيم المتلابسة المتلامسة ينطح بعضها بعضا، ويأخذ بعضها بتلابيب بعض، بحسب حجم المشكلة وشيوعها في المجتمع. فقد يشمل تعليم الكبار: تعليم الأميين منهم خاصة، أو زيادة كفاءة المتعلمين عن طريق إكسابهم خبرات تساعدهم على تطوير ذواتهم اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً من أجل تطوير المجتمع كله. وعلى هذا يكون "محو الأمية" جزءاً فاعلاً شديد الأهمية من نشاط تعليم الكبار يستحق من البحث التربوي ومن الساسة ومن القائمين على تنفيذه أن يُولُوه عنايةً كبيرة ضمن نشاط تعليم الكبار وألا يقفوا به على تخوم حل مشكلة الجهل بالقراءة والكتابة فقط. وقد ظلت مسألة محو الأمية منبتة الصلة بمسألة تعليم الكبار زمنا طويلاً، وظل الالتباس بين المفهومين يتنامى حينا، ويتخافت أحيانا، حتى ران على كتابات التربويين كثير من التطرف، بلغ حدَّ أن بعضهم يتحمس للتفرقة بين المسألتين ويرى أن إحداهما تنافس الأخرى واعتبرت كتابات بعضهم أن تعلم القراءة والكتابة شيء مستقل عن وسائل اكتساب المعرفة والمهارات كما لو كان محو الأمية غاية في ذاته لا وسيلة. مع أن التربويين يدركون أن الأمية ظاهرة مؤسفة من ظواهر التخلف الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي، والسياسي، بل من أشد تلك الظواهر أذى وتدميرا في المجتمعات، فهي تشبه عفريتا، قادرا على التشكل في صور مختلفة، يحارب هنا، فيظهر هناك، مرة في صورة أمية هجائية، وأخرى في صورة أمية دينية، وثالثة في صورة أمية سياسية، وعليه فإن القضاء على التخلف يتطلب أن تتضمن برامج التنمية العمل على مجابهة الأمية. وقد أكدت التجارب الدولية أن النجاح في برامج محو الأمية يرتكز على وجود حملة قومية مركزة لاستثارة المجتمع وشحذ همته لتحقيق طفرة كبيرة في أعداد من تمحى أميتهم خلال فترة زمنية محدودة، يعقبها عمل مستمر ودائم للتعامل مع البقية التي لم تنضم إلى الحملة القومية وكذا مكافحة الارتداد للأمية، كما تركز هذه التجارب على تجفيف منابع الأمية لضمان عدم إضافة أعداد جديدة من المتسربين من التعليم تزيد على قدرة الجهات المختصة بالتعامل معها. وكذلك الارتقاء بمستوى عناصر العملية التعليمية لتقديم خدمة متميزة ذات جودة نوعية مالية من خلال منظور تنموي مبني على المشاركة بما يؤدي إلى إحداث تغييرات إيجابية في حياة الفئات المستهدفة. والحقيقة أن مشروع محو الأمية حين كان جزءا من صميم عمل وزارة التعليم، كان جادًّا بعض الجدية، ولكن منذ وُجِدت له هيئة خاصة في مصر منذ عام 1991 اتشح بوشاح الارتزاق والتفنن في ترويج "السبوبة" لسوء اختيار الأفراد العاملين به بلا أي ضوابط أو معايير، لذلك ولد وعاش ضعيفا ولم تكشف النتائج عن أي روابط بين برنامج محو الأمية وبين أهداف التنمية. إن العمل التربوي لابد له من أن يؤدي في نهاية الأمر لتعليم الراشدين تعويضا لما فاتهم في الصغر من التربية الأساسية وبالنسبة للأفراد الذين تلقوا تعليما ناقصا يعد تعليم الكبار تكملة للتعليم الابتدائي أو التكوين المهني الأساسي وبالنسبة لمن يريد أن يستجيب لمتطلبات البيئة يعد تعليم الكبار امتدادً للمراحل التي قطعوها في الدراسة وهو أيضا فرصة لاستكمال التكوين لمن تثقف ثقافة عالية ووسيلة لتفتح الشخصية لجميع الأفراد.ومع كل ما سبق فإن التدابير المتخذة إلى اليوم في مجال تعليم الكبار - بمعناه الأشمل من محو الأمية – لا تزال قاصرة عن تلبية احتياجات الراشدين في ميدان التثقيف والتعليم ولم يعد السعي في هذا الميدان "خطوة خطوة" يكفى، بل لابد من قفزة كبرى إلى الأمام وهذا لا يتأتى إلا بتعبئة الجهود والإمكانات المادية والبشرية. وبصفة خاصة في الصور الثلاث التالية: 1. استعمال سائر المؤسسات المدرسية من أجل تعليم الكبار وتمكينهم من الدخول إلى معاهد التعليم العالي. 2. إنشاء مؤسسات خاصة لتعليم الكبار أو تنظيم نشاطات خارج نطاق المدرسة ليسهل على الكبار التعامل مع الحياة العامة وممارسة فعاليتهم كمواطنين ومنتجين ومستهلكين ومسؤولين عن مستقبل الأسرة. 3. خلق ظروف ملائمة لتنظيم النشاطات التربوية سواء جماعية أو فردية وتشجيع التعلم الذاتي والمبادرات العفوية ووضع جميع الوسائل التربوية تحت تصرف أكبر عدد ممكن من الأفراد. ولا يتحقق العمل في هذه المسارات الثلاثة إلا بالدعم المالي والتقني من الدولة والحكومة والقطاع الاقتصادي ومعظم العمل يتعلق بعزيمة الأفراد وإرادة الجماعات وهذه المساهمة الخاصة تعتبر خير ضمان لتوفير الحرية والتنوع في العمل ولتشجيع الفرد على التجديد في التربية. إن تعليم الكبار لا يقتصر على المستوى الأدنى ولا وقفا على أقلية تستفيد من مشاريع التثقيف، بل إن له أهمية وأثرا فعالا في نجاح النشاطات المدرسية المخصصة للصغار فتربية الأطفال هدف أساسي لا يمكن أن تنفصل عن مستوى آبائهم الدراسي فلا يمكن تربية الأطفال تربية سليمة في وسط يغلب عليه الجهل والأمية والنهوض بالتربية متعلق باستثمار جميع الإمكانات المتوفرة والاستعانة بكل قادر تعليم غيره أو تكوينه. أهداف تعليم الكبار: يرصد التربويون عدة أهداف يحققها تعليم الكبار للمجتمع هي: الهدف الأول: التربية الاقتصادية: أي تنمية المهارات الفنية للصانع والزراع والتاجر فتهدف برامج تعليم الكبار إلى زيادة تمكين المواطن من أداء عمله وإتقانه ليكون أقدر على الارتفاع بالإنتاج ليساهم في زيادة الدخل القومي. وتوجد مجالات غير مباشرة تهدف لزيادة الإنتاج وتدعيم الاقتصاد القومي للدولة وزيادته مثل تثقيف ربات البيوت – التثقيف الصحي. الهدف الثاني: التربية السياسية والقومية: وهي لازمة لجميع المواطنين للمحافظة على ما حققناه من حرية ولنتمكن من الوقوف في وجه التيارات السياسية ولإنماء ما كسبناه من وعي متحرر يمكننا من الاستمرار في الكفاح والوقوف في وجه المحاولات الاستعمارية وهي ضرورة مستمرة تمارسها كل المجتمعات على اختلاف نظمها للمحافظة على مكاسبها القومية وحريتها الشعبية. الهدف الثالث: التربية والاجتماعية: ويقصد بها تهيئة المواطنين وتذويدهم بشتى التنظيمات الاجتماعية الجديدة التي يتطلبها التطور في جميع مظاهرة والتي تساعد على الترابط الاجتماعي ومن فوائد التربية الاجتماعية هي المحافظة على تقاليدنا وأخلاقنا الاجتماعية وأن نتلافى بها العيوب وهي اختفاء القيم الأدبية والروحية والتي استمدت أصولها من الأديان السماوية وذلك لتجنب الكثير من العيوب والأخطاء التي وقعت فيها الدول التي في عصر "الآلة" الذي تغيرت معه القيم الاجتماعية والأخلاقية والمعايير الاجتماعية والإنسانية والتي أخذت في الانحلال والتبدل حتى أصبح التطور الصناعي مقترنا بالإلحاد وخضوع الفرد للأحكام المادية البحتة التي تسيطر على سلوكه وعلاقاته بغيره من الناس ونرى أن من تقاليدنا ما هو جدير بالاحتفاظ والارتقاء بها وتجديد عناصرها وتقوية دعائمها وهي التي تميزنا عن غيرنا من الدول الحديثة. الهدف الرابع: التربية الخلقية والفكرية: ويقصد بها تكوين المجال الفكري والروحي للمواطن عن طريق دراسة الدين وتناول بعض المواد العلمية والفنية والأدبية (مبادئها) وإذا أحسن تناول هذه الدراسة تكون للمواطن نظرة تجاه الحياة التي حوله وتعود على التفكير العلمي وكيفية الحكم على الأشياء بحكمة ومنطق سليم وتعويد المواطن على الاستمتاع بالفنون وقضاء وقت الفراغ، وهي عوامل تتصل بالصحة العقلية والنفسية للمواطن. ولا يتحقق هذا الهدف إلا بمعرفة القراءة والكتابة كوسيلة لكسب الثقافة والمعرفة واضطراد نمو الأفراد من الوجهة الفكرية بالإضافة لوسائل الإعلام الأخرى والمعرفة التي يستمدها الأمي عن طريق "الخبرة ".