11 سبتمبر 2025
تسجيلكنا قد ناقشنا فى مقالينا السابقين موضوع الرقابة وأثرها على الإبداع .. وهو أثر له سلبياته فى تقييد حرية الإبداع كما يرى البعض .. كما أن لها – أى الرقابة – أثار إيجابية فى الحفاظ على هوية الشعوب الثقافية والتقاليد المجتمعية فضلا عن القيم الدينية بطبيعة الحال .. وكنا قد اكتفينا بما كتبناه وناقشناه من خلال السرد والرد على رسائل القراء ولكننى تلقيت مكالمة هاتفية من إحدى قريباتى .. وهى سيدة متوسطة العمر وقد رزقها الله بثلاثة أطفال وقد لاحظت هذه السيدة على إحدى بناتها بوادر فنانة صغيرة تحاول الرسم وقراءة الشعر وتذوقه .. بل أنها حاولت كتابة بعض الأبيات كما تجيد الإستماع إلى الموسيقى وتحاول تعلم العزف .. بينما الطفلين الآخرين لا يتمتعان بنفس هذه المواهب برغم أنهما ولد وبنت .. يعنى المشكلة ليست فى النوع .. وأضافت أن البنات دائما ما يخلقهن الله أرهف حسا وألطف من الصبيان .. ولكن ماذا عن البنت الأخرى التى حاولت هذه الأم جذبها لأن تقوم بما تفعل أختها ولكن ذلك لا يلقى قبولا لديها مهما حاولت . وأنا أقول لهذه الأم أن المسألة ليست نوع الطفل كما قالت هذه الأم – ولد أو بنت – ولكن يتعلق الأمر بالإنسان ذاته الذى خلقه المولى سبحانه وتعالى ومخه مقسم إلى نصفين .. يكون النصف الأيمن منه هو المسئول عن الإبداع والتفكير الإبتكارى وأن نمو ذلك يتأتى من خلال ممارسة الفنون المختلفة مثل الشعر والموسيقى والرسم وغيرها حيث أن الممارسة تساعد على ظهور الموهبة وبالتالى صقلها . وقديما كان يقول أستاذنا الراحل الدكتور صلاح مخيمر والذى كان يُدرس لنا مادة علم النفس فى الجامعة أن الإحساس بالقيم الجمالية تتشكل ركيزتها الأولى فى عامه الأول .. ولا نبالغ لو قلنا فى شهوره الأولى حيث تتشكل قيمة الإحساس بالتذوق الفنى وأن ذلك يكون من العناصر المحيطة بالطفل مثل جمال المكان المتواجد فيه الطفل ( غرفة نومه أو الغرفة التى يلعب فيها ) ودرجة الإضاءة المستخدمة فى هذا المكان .. فضلا عن الألوان المحيطة بالطفل ومدى تأثيرها عليه . ولعل ذلك يقودنا إلى سؤال هام .. وهو إذا كان طفلان قد شبا وتربيا فى نفس البيئة والظروف فلماذا يوجد الحس الفنى والجمالى لدى أحدهما دون الآخر كما فى حالة أطفال هذه السيدة .. والإجابة التى نود أن نتذكرها سويا هى ما سبق أن قلناه آنفا بأن هذا بسبب الفص الأيمن من المخ . ومن منطلق أن الفن والإبداع والتفكير الإبتكارى يشكل وجدان الشعوب ويساعد فى بناء شخصيته السوية التى تتمتع بالتسامح والمحبة وايضا بالنظرة المستقبلية التى تقود إلى التقدم فإننا نود أن يكون ذلك من خلال الأسرة ذاتها من ناحية ومن خلال المجتمع المدرسى من ناحية أخرى . فالأسرة مسئولة عن مراقبة الأطفال والإنتباه إلى مواهبهم المبكرة والعمل على تنميتها وتيسير الأمور لتحقيق هذا الهدف وعدم النظر إلى أن هذه الأمور مضيعة للوقت بل على العكس أن ممارسة الفن من أهم عوامل بناء الشخصية السوية كما أسلفنا . أما المدرسة فدورها عظيم فى العمل على التوقف عن الإعتماد على الحفظ والتلقين فقط لأن ذلك سيكون مرده عقول تفتقد القدرة على الإبداع والتفكير والإبتكار ويجب أن يكون للتربية الفنية والمسرح ومسابقات الشعر والغناء والأنشطة المدرسية بشكل عام دور ملموس فى تنمية الحس الجمالى لدى الأطفال ويتعدى الأمر ذلك إلى تنمية القيم وتعديل السلوكيات بما يتوافق مع الرغبة فى بناء مواطنين صالحين . وتبقى نقطة فى غاية الأهمية وهى دور المسئولين فى وزارات التعليم فى عدم الإكتفاء بالمناهج العقيمة المعمول بها فى الوقت الراهن ومنذ سنوات طويلة والعمل على تطوير مناهج الأنشطة المدرسية كلها بما يتوافق مع روح العصر الحديث وتوفير التقنيات الحديثة التى يستخدمها كل من المدرس والطالب حتى يتمكن كلاهما من المشاركة الإيجابية وتحقيق التطوير المنشود . وأخيرا نقول للجميع فى منظومة الأوطان – الأسرة والمدرسة ووزارة التعليم – أن نتيجة كل ذلك لن يكون سريعا كما نتوقع .. وكما ستكون له نتائج فوريه ملموسة سيتحقق الجزء الأعظم من الفائدة على المدى البعيد . وتبقى كلمة أخيرة وهى أن النتائج السلبية لعدم الإلتفات لما سقناه فى مقالنا هذا يمكن أن يكون سببا فى ظواهر سلبية عديدة مثل العنف وتدنى القيم المجتمعية وغيرها إلا أننا سنتناول هذا فى مقالات أخرى قادمة .. فإلى اللقاء بحول الله.