17 سبتمبر 2025

تسجيل

مسرحية "سلطان الغلابة"

08 أبريل 2013

من خلال متابعتي لعروض البيت الفني للمسرح التابع لوزارة الثقافة المصرية، لفت نظري هذا العنوان وعندما تمعنت في الإعلان المنشور وجدت الممثل الرائع أحمد راتب في ملابس السلطان وبجواره الفنانة حنان سليمان –التي يعجبني أداؤها كثيرا- وحدست إنها ولا شك السلطانة والباقي لأناس بلا ملابس تقريبا أدركت أنهم الرعية، شدني العنوان والصورة وقررت أن أذهب للمشاهدة. ولحسن الحظ وصلتني دعوة كريمة من شقيقي المخرج محمد عابدين والذي يمثل أحد الأدوار الهامة في المسرحية فقررت ألا أدع الفرصة تفوتني وذهبت على الفور إلى مسرح الغد. المكان رائع تفوح منه رائحة الأصالة حيث إن هذا المسرح قد تخصص منذ فترة في الأعمال التراثية أو تلك المأخوذة من التراث القديم وأعجبني النظام والنظافة وهذا ليس غريبا على مكان يقوده الفنان حمدي أبو العلا الذي كان في استقبال الجمهور بابتسامته وبشاشته المعهودة. بدأت المسرحية في موعدها تماما ولاحظت على الفور النظام الجيد كما لاحظت بساطة الديكور حيث إنه يعتمد على تغيير المشاهد أثناء الإظلام خاصة في عدم وجود الستارة التقليدية للمسرح وهذا يحسب للمخرج الشاب محمد متولي ومجموعة الديكور بقيادة ناصر عبد الحافظ وصبحي عبد الجواد. المسرحية تعالج العلاقة الأبدية بين الشعب والرعية ودور الحاشية – أي حاشية في أي عصر- في الفساد والمقدرة على الإفساد ومدى مسؤولية الحاكم – ملكا كان أو سلطانا - عن هذا الفساد خاصة وأن هذا هو دأب أي حاشية في كافة العصور وهنا نجد أننا أمام الثلاثي المعروف ملك يتطلع إلى رخاء شعبه الغلبان وحاشية فاسدة وزوجة طماعة والشعب مغلوب على أمره ولا يملك شيئا أمام تحول الحاكم الذي أولاه حبه وثقته. القصة مأخوذة عن ألف ليلة وليلة ؛ الليالي العشر الأخيرة وخاصة الليلة الواحدة بعد الألف والأخيرة والتي تشهد ميلاد سلطان الغلابة معروف الاسكافي كما يقول الشاعر المبدع الدكتور مصطفى سليم الذي عاد مؤخرا عودة حميدة إلى مسرح الغد. اللافت للنظر ذلك الربط بين الأحداث التي سادت البلاد طوال الفترة السابقة وهو ما نجح فيه الفنان الكبير أحمد راتب الذي جسد دور السلطان باقتدار خاصة عندما واجه الجمهور بسرعة بديهة وأجاب على أسئلتهم فئ مشهد تلقائي يجسد التفاهم بين الفنان الكبير والمؤلف وأسرة المسرحية بشكل عام. ونجح المخرج محمد متولي في توظيف الموسيقى التي لا يمكن أن نغفل دورها في إضفاء لمسة من الغنى والثراء على النص وعلى المسرحية بشكل عام كيف؟ عندما بدأ العرض كانت هناك مفاجأة سارة في انتظار الجمهور والمتمثلة في فرقة موسيقية بالملابس البلدية أشاعت جوا من البهجة ولاقت تجاوبا كبيرا من الجمهور من خلال المزمار البلدي والمواويل التي كان لها دور كبير في التمهيد لأحداث النص الدرامي. اللافت للنظر هذا الأداء الرائع لجميع الممثلين وعلى رأسهم الكبير جدا أحمد راتب الزى يزداد تألقا وحنكة على مر الأيام وأنا أشفق عليه من كثرة إحساسه بما يؤديه من أدوار وما يعيشه من معاناة هو وحده القادر على توصيلها للجمهور بما يتمتع به من خفة ظل طبيعية غير مفتعلة وحب جارف من فريق العمل والجمهور على حد سواء؛ وتجلى ذلك في الربط بين موضوع المسرحية والأحداث الجارية كما أسلفنا. حنان سليمان نجحت في دورها إلى أبعد الحدود حتى أن أحد الفتيان من الحضور جعل يدعو عليها ولو كان صادفها بعد العرض لفتك بها مما يدل على مدى تجاوب المشاهدين معها في ظل المزيد من النضج الفني خاصة بعد تحررها من القوالب التي وضعها فيها المخرجون. محمد عابدين حكاية أخرى للنجاح والإخلاص والإجادة وقد لجأ إلى البساطة في التمثيل ليستولي على مشاعر الجمهور المتعطش لمثل هذه النوعية من الممثلين وتلك المسرحيات التي طال انتظاره لها وأجاد دور السلطان الراحل سمعان الهمام الذي يشير صراحة إلى حكام مصر السابقين. أحمد نبيل وشيريهان شاهين وآدم ومحمد صلاح وشريف عواد كان لهم دور كبير في إنجاح العمل وكذلك نور غزالي وأحمد فرغلي وسمية حاتم ولا يفوتني أن أكررالإشادة بغناء المطرب الشعبي أحمد سعد وزميله فارس وباقي أعضاء الفرقة الموسيقية والأداء الجيد من خلال الألحان الجميلة لباهر الحديدي. الخلاصة أنني أمضيت أمسية جميلة وخرجت يملؤني الأمل في غد أجمل ومسرح جميل يعيدنا إلى أيام عظماء المسرح العربي العريق.