12 سبتمبر 2025
تسجيللأنّ المرض لا ينتظر،...ولأن الغاية التي وضعتها الصحّة في شعارها على موقعها الإلكتروني هي: (حماية الجمهور) أولا، ومن ثم (رفع مستوى الخدمات الصحية)،..ولأن الصحّة جعلت من أولوياتها تطوير الخدمات والكوادر وفقا لأعلى المعايير، وتقديم الخدمات المناسبة في الوقت والمكان المناسبين.ولأننا كجمهور لسنا بمستحدثين على "نظام الصحّة ولا على فوضى المرض" نرفع استغرابنا من الحصول على اعتماد أو توأمة أنظمة عالية المعايير لتطبيقها في قطر دون مراعاة البيئة المنقول منها وإليها، بل ودون أن يجد المريض نفسه ضمن الأولويات، لتسلمه إلى ما يمكن أن نسميه:"فوضى الصحّة ونظام المرض"... كيف؟لأن نظام الاعتماد في المراكز الصحّية جعلها عيادات وفقا للمواعيد المسبقة، ولم نعلم ونحن جمهورها كيف نطبقها او نتلقّى خدماتها رغم مرور العام، فالعاملون على الصحة في الاستقبالات الإدارية — وهم واجهة الصحة في كل مركز — لم يدرّبوا أيضا من قبل واضعي الخطط، فلا نسمع منهم إلا: لن يراكم الطبيب الا بمواعيد مسبقة... نسأل: كيف؟ — عبر الرقم 107؟ — لماذا؟ — "نظام جديد"!!! — وما هو؟ نسأل دون ان نعلم كُنْه هذا النظام ولا حالاته الاستثنائية فنعود بخفي حنين ولا نعلم منه سوى أنّه كندي. فنقول: "وّنّعمْ!!"وحتى لا نظلم الجهود المبذولة ومعايير الجودة في نظامنا الصحي ولكي نفهم أكثر، دعونا اولا نذكّر والحقّ يقال ان هناك استراتيجية وطنية للصحّة ضمن الاستراتيجيات القطاعية لاستراتيجية التنمية الوطنية (2011 — 2016) لتطوير النظام الصحي وتحسين الخدمات، نقدر الجهود المبذولة فيها بلا شك ونتطلع لجهود أخرى لتطويرها بما يواكب الخطة الخمسية القادمة للصحّة وفقا لرؤية قطر 2030 لتحقق أهدافها.كما نذكّر بأن مؤسسة الرعاية الصحية الأولية قد حصلت على الاعتماد البلاتيني 2014 من المؤسسة الكندية للجودة (ACI) بعد تقييم شامل استمر ثلاث سنوات وهي واحدة من أعرق مؤسسات الاعتماد الدولية، وهذه شهادة على جودة النظام الصحي والوقائي في قطر. كما نشيد بنظام الربط المعلوماتي الإكلينيكي التقني للخدمات والمعلومات الطبية المحلي — والدولي كما يزمع أيضا — والذي تم الاعلان عنهما مؤخرا.ولكن..تنتفي قيمة الجودة إذا لم تصل المستخدم وهو الهدف، اذ يتعذر وصول المريض الى الطبيب اصلا ناهيك عن الربط الشامل. كما تنتفي أهمية الاعتماد إذا لم يخلق له بيئة صديقة لاحتضانه وتطبيقه "Friendly Environment" خصوصا في ظل مليونية سكّانية متصاعدة للدولة.لقد عقدت المؤتمرات الصحفية لتشيد بالاعتماد الكندي وأقامت له عرسا ضخما في صيف 2014، وهذا جزء من ديننا وديدننا في قطرعلى نهج إخوتنا العرب، ليس في الصحة فقط بل في معظم الأمور نشيد بانجازاتنا — وهذا حقّ لنا — شريطة ألا يستغرقنا المديح لذاتنا ويكون إعلامنا له بوقا مطبلاً: "قطر تتصدر..." .. "قطر تحقق..." لينسينا واجبات تطبيقه في الميدان. فعزفت الصحة على الامتياز البلاتيني دون إشراك المجتمع في مفرداته وآليات تطبيقه، وتوضيح مسؤوليات ليس مقدمي الخدمة فحسب بل والجمهور أيضا — متلقي الخدمة — في كيفية التعامل معه كنظام مستجد بعد عقود من العمل على أنظمة أخرى، وكأن مؤتمراتنا الصحفية حفل جوائز الأوسكار، في حين أن الاعتماد لم يقم لأجل الإعلان والاحتفاء بل وضع لخدمة الجمهور، فخسرنا الرهان البلاتيني الذي كسبناه في البلاط الأحمر، فجاء وكأنه "يوتوبيا المدينة الفاضلة" في ظل تباعد بين النظرية والتطبيق، فاحتشد الغضب الجماهيري على التغيير وهذا متوقع ليس لعدم جدواه بل لجهل المستخدم به والقاعدة تقول "من جهل شيئا عاداه" هذا في المعرفة، فما بالنا بنظام يطبق على أهم حيثيات الحياة والبقاء وهي"الصحة".علمت أن هناك وحدة وضعت لتصنيف المرضى والمراجعين، مهمتها تقييم حالة المريض من (1 — 5) عاجلة او غير عاجلة، تقتضي تدخلا سريعا أو موعدا، هذا وانت تتخيل مدى الازدحام على هذه الغرفة عندما توكل مهمتها لطبيب واحد، خصوصا في ظل اكتظاظ مدن دون أخرى ومراكز دون غيرها بالسكان، فضلا عن المحوّلين عليها من المناطق المختلفة، علما بأنني لم أسمع بها لدى قسم الاستقبال في العيادات عند الزيارة حين يتم ادخال معظم المراجعين على ممرضات من باب أخذ العلامات الحيوية فقط لا أكثر ولا أقل. هذا وقد خيّب رقم 107 ظني في أول مكالمة هاتفية له دون أن أعمم. فلا يكون من المراجع عندها سوى أن يحمل نفسه وكبار السن ممن معه إلى عيادة خاصة، وهذه حقيقة عشناها وعايشناها منذ تدشين النظام.حتّى خدمنا باتوا يذهبون مباشرة للعيادات الخاصة ويأتون لنا بالفواتير لندفعها لهم لأننا اصبحنا الضمان الصحي السريع لهم وفقا لهذا النظام والمشهد يتكرر سواء علينا كقطريين أو على غيرنا... في حين أن المرض العارض لا يعرف المواعيد، ولم توضع المراكز الصحية في كلّ مدينة إلا لخدمة هذه العوارض التي لا يمكن تأجيلها ولا يمكن أن تصنّف في الطب تحت بندي: الأمراض المزمنة ولا أمراض الطوارئ والحوادث، ولا يمكن ان تحال عليهما بتاتا حتى لا تشكّل في حدّ ذاتها ضغطا على هذه العيادات الرئيسة التي نريد منها تحقيق غاياتها وخدماتها على أكمل وجه. وهذا بلا شك معلوم عند القائمين على الصحّة لذلك جعلت المراكز تحت بند الرعاية الصحيّة الأولية.أكرر..لأن صحة الجمهور وخدمته هي السبب الرئيس لتقديم الخدمات، ولأن الصحة في شعارها واهدافها ركّزت على إعداد الكوادر ومراعاة جودة الخدمة في "الزمان والمكان المناسبين"، وعليه يمكننا أخذ مميزات اي اعتماد وتفصيلها بما يتلاءم أولا مع طبيعة وثقافة مجتمعنا "المكان" ثمّ بمرحليّة "الزمان" بحيث تستوعب خلق البيئة وتثقيف الكوادر والمراجعين به لتقبله ومن ثم ممارسته وتطبيقه... حيث إن التوعية كما أسلفت لم تشملنا، بل لم تشمل آل البيت قبل ان يعمّم علينا.. وهذا قصور في التدريب والتطبيق لنظام قد يكون جيدا.القاعدة القرآنية وهي مدرسة قبل أن تسنها نظريات الإدارة والتوعية والإعلام المستحدثة تقول: "وأنذر عشيرتك الأقربين" لذلك نتمنى على الصحّة أن يحمل الشيءَ فاقدُه قبل أن يُعطيه، وأن تراجع آلية نظام التعامل الصحي مع البغتة،..لأنّ المرض لا ينتظر.يتبع في المقال القادم