13 ديسمبر 2025

تسجيل

سمو الأمير في جورج تاون

08 مارس 2015

شاهدتُ مقابلة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، مع رئيس جامعة جورج تاون خلال زيارة سموه إلى الولايات المتحدة، وكانت باللغة الإنجليزية. ولقد فضّل سموه عدم إلقاء خطاب مكتوب عن سياسة قطر ومواقفها تجاه الأحداث في المنطقة، ورؤيتها للعلاقات مع الولايات المتحدة والدول الشقيقة، فاتحاً المجال لأسئلة المُحاور والحضور التي رآها أكثر ملاءمة لمثل ذاك اللقاء.تحدث سموه – بكل صراحة – عن علاقة قطر مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى وجود علاقة إستراتيجية وهامة بين الطرفين، وأنه لدينا تعاون في مجال الأمن، ولكن الأهم هي علاقتنا فيما يتعلق بالشؤون التعليمية.وقال: نحن نُركز على التعليم، حيث لدينا في هذا المجال 6 جامعات أمريكية، ولكن يجب ألا نعتمد على أمريكا، وأمريكا لديها أخطاء أيضاً، وعلينا الاعتماد على أنفسنا للوقوف على التحديات التي نواجهها، مثل قضايا الإرهاب، الديكتاتوريات، كما يحدث في سوريا، العراق، اليمن. ويجب أن نعتمد على أنفسنا في المقام الأول، وإن احتجنا لمساعدة نطلبها من أمريكا.وعن علاقة دولة قطر مع المملكة العربية السعودية ذكر سموه أن المملكة العربية السعودية دولة مهمة في المنطقة، ولدينا معها علاقات تاريخية قوية ومستمرة، والمملكة لها تأثير في حل مشكلات المنطقة، ولديها أهداف وتحديات عديدة، ليس من السهل حلها، ولكن بوجود الملك سلمان بن عبد العزيز وبتأييد من الجيل الثاني من الشباب في إدارة الحكم، سوف يساعد ذلك على استقرار المنطقة، إلا أن الأمر لن يكون سهلاً.وعن التحديات التي تواجه دولة قطر، بدا سموه واضحاً ودقيقاً عندما أشار إلى ما حدث في الثمانينيات والتسعينيات، عندما هبط سعر برميل النفط إلى 8 دولارات، وقال سموه: واجهنا عندئذ صعوبات عديدة، ولكن واجهناها بتنويع الدخل، وأنه سيأتي يوم لن نعتمد فيه على النفط والغاز، وأن أهم استثماراتنا في التعليم والشباب، وأن فئة الشباب هي التي ستدير البلاد في المستقبل. وفي إشارة لمّاحة من سموه، غمزَ من قناة الأصدقاء اليابانيين، عندما صنعوا اللؤلؤ الياباني المزروع، وضربوا تجارة اللؤلؤ في الخليج وأصبحت المنطقة فقيرة.تحدث سموه رداً على سؤال حول الربيع العربي، مشيراً إلى أن الهدوء كان يسود المنطقة، وكان لدى الشباب العربي طموح وتفكير في مستقبل أفضل، فقاموا بالثورات، لكن المشكلة التي واجهتهم كانت في الثورة المضادة، والتي سدّت عليهم الطريق نحو الحرية والكرامة. وبعد ذلك ظهرت نتائج الثورة المضادة في شكل عصابات إرهابية، نتجت عن اليأس الذي وصلوا إليه، ولا يجوز بأي حال من الأحوال ربط الإرهاب بالإسلام. إن الصبية في سوريا عندما كتبوا على الجدران (ارحل يا بشار) تم سجنهم وتقليع أظافرهم، فأنت لو رأيت ابنك عمل ذلك، وعوقب وعومل تلك المعاملة، ماذا تفعل؟ وسط قتل النظام للشعب السوري، ماذا سيحدث في ظل ذاك المناخ؟ سوف تتحول ردة الفعل إلى إرهاب، ولكن علينا البحث عن سبب الإرهاب، ولن نقضي عليه، قبل القضاء على أسبابه. الناس يتجاهلون عذابات ملايين السوريين، ويركزون فقط على الإرهاب، إن ملايين السوريين بحاجة إلى مساعدة، والمطلوب مساعدتهم.لم يكن الحديث دبلوماسياً – كعادة بعض المسؤولين العرب – بل انساب الحديث تلقائياً وبلغة إنجليزية معبّرة، وروح وثابة تناسب مقام الجامعة ومزاج الطلبة. وفي رد سموه على سؤال حول الإعلام، أشار إلى وجود ملامح سلبية في الإعلام ضد دولة قطر، وقال: نحن لا مشكلة لدينا في نقد قطر، نحن سياستنا واضحة ونظهرها في الإعلام، وعلى الناس الحكم، ولسنا مسؤولين عما يكتبه الآخرون، لدينا صوت مسموع، ونحن ليست لدينا مشكلة من ذكر السلبيات.وهذه الإشارة الأخيرة ذات مغزى مهم، وتُغري بالحديث الطويل، فنحن الكُتاب نتعرض إلى "سوء التفسير" الذي يقضي على مستقبل الكاتب عندما يتناول بعض السلبيات بقصد معالجتها أو إظهارها للمسؤولين.وأذكر هنا توجيه صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لنا، عندما قال لنا في التسعينيات: اكتبوا.. ووجهوا كلامكم إلى المسؤولين، وأنا سأفهم ما تعنون، كما أن حديث سمو الأمير ذكرني بحديث لمسؤول إعلامي كبير في التسعينيات عندما قال: لديكم هامش جيد من الحرية ولكنكم لا تستخدمونه. فهل نحن لدينا خوف أو "فوبيا" من تناول القضايا المهمة والتي نقصد منها الصالح العام؟! وهل صورة (الصالح العام) غير واضحة، سواء لدينا أم لدى المسؤولين؟! أم أن التجارب السابقة والمعوقات والعقوبات تحول دون أن يتناول الكاتب – أو الإعلامي عموماً – قضايا الصالح العام والتي تحتاج إلى إظهار في الإعلام؟!. أرى أن إشارة سموه بعدم وجود مشكلة من ذكر السلبيات، يجب أن يقرأها المسؤولون التنفيذيون الذين "يتأففون" من ذكر سلبيات إداراتهم أو وزاراتهم، وكذلك الجهات التي تستخدم "سوء التفسير" للمعاني السامية التي يقصدها الكاتب، والحكم عليه بـ"المشاكسة" أو إثارة الرأي العام أو المساس بقيم الوطنية، أخبرني زميلُ قلم، أحترم ما يكتبه من مقالات تتناول الشأن العام بروح من المسؤولية والعقلانية، بأنه أرسل مقالاً لإحدى صحفنا، وتم التدخل في عنوان المقال، وفي ذلك تجاوز لحق الكاتب، رغم أن العنوان الذي وضعه الكاتب كان أكثر دلالة على الموضوع، ولا يحمل أي معاني أو تلميحات سلبية ضد أي طرف. وإذا كانت الصحيفة – التي من المفترض أن تدافع عن حقوق حرية الرأي – تصادر حق الكاتب في اختيار عنوانه، فكيف لنا أن نطمح بوجود حرية رأي، أو نقد السلبيات، كما أوضح سمو الأمير المفدى.لم يفت على جمهور جامعة جورج تاون الذي حضر لقاء سمو الأمير الإشارة إلى تنظيم قطر لمونديال 2022، وبهدوئه المعروف، تحدث سموه بأن دولة قطر تفخر باستضافة كأس العالم لعام 2022، وأنه ليس لقطر فحسب، بل لكل العرب. وأن ما يُثار حول تلك الاستضافة تحكمه لوائح وتقصيات (الفيفا)، وأنهم لم يجدوا ما يمنع تلك الاستضافة. وبعفوية الرياضي داعب سموه جمهور الأمريكيين الحاضرين بعقد مقارنة بين دولة قطر وأمريكا، قائلاً: أنتم رياضيون، ويقول بعضكم إنكم دولة كبرى، فكيف تفوز قطر (الصغيرة) بتنظيم كأس العالم؟. واختتم سموه حديثه بأن الاستعدادات جارية على أتم وجه لاستضافة الحدث الكبير.لقاء قصير وممتع، استطاع سمو الأمير فيه أن يُبين وجهة نظر دولة قطر تجاه الأحداث في العالم، ويُجلي بعض الغموض فيما يتعلق بسمعة قطر في الخارج، والتحديات التي تواجه المنطقة، خصوصاً ما تعلق بمحاربة الإرهاب، وضرورة البحث عن مسبباته والقضاء عليها.كما تحدث سموه عن علاقات قطر مع الدول الشقيقة، والإعلام، مشيراً إلى "سعة الصدر" فيما يتعلق بحرية التعبير.