14 سبتمبر 2025

تسجيل

الاتزان إحدي ركائز الحكمة

08 مارس 2012

يشكل الإفراط في تناول المعطيات عطفاً على استقاء المفاهيم بهذا المستوى منعطفاً خطيراً ولا يلبث أن يجهض الأهداف النقية بتلبيس ينحو إلى ترسيخ التوعك الفكري، وحينما تتم محاصرة الرؤية الخلاقة للأسس والأهداف النيرة في زاوية ضيقة فإن في هذا اختزال للأبعاد الإيجابية اللائقة للارتقاء بالنفس لتحلق في سماء الصفاء والنقاء الفكري الملامس للوجدان، ومحور ارتكاز الرقي بالنفس يتمثل في تهذيبها عبر ضخ ينابيع القيم المتدفقة لما فيه خير البشرية وتحقيقا للتوازن من حفظ للأنفس وصيانتها وحمايتها من الانحراف الفكري والسلوكي، وذلك بتفعيل دور العقل الكيس الفطن في طرق السبل المثلى المؤدية لنيل رضا رب البلاد والعباد، بكل خضوع وتأمل في مستوى القدرة في تسيير هذا الكون وتدبيره بدقة متناهية لا يملك المؤمن حيالها إلا التسبيح بحمده وشكره على نعمته، ولا ريب أن من أبرز إفرازات الإفراط ودعائمه الرئيسة، التطرف وينشأ التطرف جراء أحد أمرين، أما الإفراط والمبالغة أو التفريط والمماحكة، وقد يقع الإنسان في التطرف من غير أن يقصد، فنبل المقاصد لا يلغي جوانب التقصير من حيث نيله، فيخيل للمرء طالما أن هدفه نبيل فإن ذلك كفيل بدمج التجاوز ولا يستقيم الوضع في الإطار الصحيح على هذا النحو لأن مسألة البلوغ ستتعثر أمام المحاولات المتكئة على اختلال استغلال الوسائل وهي سلم الوصول للهدف، وبالتالي فإن مسألة الوصول ستكتنفها الصعوبات عطفاً على الشوائب العالقة في الوسائل التي تحد من دور الحكمة في هذا السياق، فلا يمكن أن تشرب ماءً ملوثاً وتطلب الصحة، ولا يمكن أن تطلب رحمة الباري ولم ترحم من أمرك ربي برحمته، فبات الإخلاص في هذه الناحية من أجل الأمور وأجملها، الإخلاص في نيل المراد يتطلب الصبر والثبات وسلامة الإعداد، وكلما زادت حدة التطرف كلما ضاق الحيز وتعسرت منافذ الخروج، وحينما يتم تفعيل التكامل في إدراك المسؤولية على النحو المثالي فإن هذا يحتم على المبلغ نقل العلم والمعرفة بحكمة ودقة، وبالتالي فإن العلاقة بين العبد وخالقه سيحدد أطرها بلاغة الاستقاء واستيعابها بشكل متقن لترسيخ القناعة إزاء هذه المعلومة أو تلك في حين أن المجال الرقابي سينحصر في التوجيه والنصح، كالتعامل مع الشباب المفعم بالحماس ليكون استشعار المسؤولية هو المقياس وجسر العبور نحو تأصيل المعاني القيمة ليتناقلها الأجيال وفق أسس راسخة، ويشكل العمق في الأدلة محوراً رئيساً لتؤدي الثقة دورها في تنمية التفاعل الحسي سواء كان من حيث الترابط أو من خلال الاحتياج الفعلي للمحاكاة المتزنة مع ما يقره العقل ويطمئن له القلب. والإعجاز في كلام المولى عز وجل الذي ليس كمثله شيء قال عزَّ من قائل مخاطباً نبيه: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}. وفي نطاق طلبات النفس وإشباعها بالإيمان ليضخ السكينة في القلوب، فإن المعايير المتسقة مع رغبة النفس بهذا الصدد تكمن في ترجمة القيم النبيلة بدءاً من العدل والمساواة، ووصولاً للمثل العليا التي تحتوي الرحمة، والرأفة، والود، والعطف، وغير ذلك كثير، فأداء الواجبات لم تستثن طرفاً دون آخر ولم تفضل طرفاً دون آخر، كما هي الحقوق المترتبة في سياق بديع مؤثر. ويتصور البعض نتيجة لسوء الفهم أن العلم والتعلم قد يتقاطع مع الورع والتدين، وهذا الالتباس الناجم عن تشويش وارتباك في قراءة المعطيات بحس عميق ووعي حصيف منشؤه المبالغة في التوجس، والخوف غير المبرر من تقلص الحيز أو بالأحرى التأثير. سعة الاطلاع والاستزادة المعرفية تعززان من دفع المسيرة نحو آفاق الإحاطة بمكنونات الفوائد المختلفة. ففي مجال الطب والتداوي بلغت الآفاق المعرفية بهذا الصدد شأواً عالياً في التخفيف من المعاناة والآلام، وهكذا بقية الفروع الأخرى، في حين أن البعض وفي خضم ضعف التصور اللائق، يخالجهم هذا الارتباك والاهتزاز كون هذه العلوم، أو جلها قد صدرت عن بيئة غير مسلمة. وفي هذا قطعاً مجافاة للواقع ومجانبة للصواب، بل إنها تسهم في إضعاف الثقة وهذا أخطر ما في الأمر إن لم يكن الأخطر، فمن المعلوم أن العلوم المختلفة لا يستقر مصدرها، فتنتقل من أمة إلى أخرى، ومن فئة إلى أخرى عطفاً على توافر الأدوات المحفزة لتحصيلها. من هذا المنطلق فإن التحفيز للأخذ بالعلوم وتعلمها والعمل بها من صميم الدعوة والأسس الثابتة لا تتأثر. ودور القيم ترسيخ القناعات بأساليب تنحو إلى سعادة البشر، فإلى جانب شحذ النفوس للاستقرار الوجداني المنبثق من عمق الدلالات الموضحة لهذا الأمر، بيد أن الطلب هنا يتمحور في كيفية التعاطي مع هذه العلوم، وفق سياقات متزنة. فالمشرط قد يستخدم للتطبيب وللتجريح. وتقارب المفهوم الدعوي مع الجانب العلمي، يكمن في تحديد الآثار السلبية للمواد العلمية وتجنبها حفظاً للأمانة وأداء للواجب، والأخذ بالفوائد ومسبباتها، وترك ما دون ذلك. وينبغي التسليم بأن العقل والمنطق يفرضان تطويع العلم لخدمة المبدأ وليس العكس. ولم تهلك الأمم السابقة إلا بتخليها عن القيم الأخلاقية الكفيلة بصيانة عقل الإنسان وحفظ كرامته فإذا طغى الجانب المادي على الجانب الأخلاقي فإن ذلك مدعاة لاستدراج الشرور بسوء تقدير الأمور ولله الأمر من قبل ومن بعد.