14 سبتمبر 2025
تسجيلكلما مر يوم على العدوان الإسرائيلي على غزة، تبتعد معه المسافة الوهمية الفاصلة ما بين جنون الوحشية الصهيونية، ومحاولات عقلنتها ومواجهتها، فأقل أرقام العدوان تتحدث عن أكثر من 100 ألف ضحية بين شهيد وجريح، مع كارثية الأوضاع على الأرض التي تُواجه بمواقف إنهاكية عن معالجة «الآفة» الاستعمارية الصهيونية في فلسطين، وهذا يحد من التفاؤل الذي تحاول الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية اشاعته لليوم التالي في غزة، بعد القضاء على المقاومة بالحديث عن ضرورة قيام دولة فلسطينية، دون التمكن من الخوض في مسائل جوهرية لإنهاء الاحتلال، فوفق المشهد العربي الجديد المعني نظرياً بما يجري في المنطقة، من غزة والضفة والقدس، إلى اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ومقياساً للآثار الفادحة التي تركها غياب مواقف عربية صلبة توقف العدوان الإسرائيلي، وتبني بعض النظام الرسمي العربي لعدائية واضحة مع الشارع العربي، يعمق ذلك فقدان النظام العربي لقوته الناعمة، والمستحقة الذكر عن المصالح المشتركة والأمن العربي، والتزامه بقضيته المركزية التي يتمسك بها العربي رغم ظروفه القهرية. والتحالفات العربية الباقية بشكلياتها ومجاملاتها، دون الالتزام بما يقال ويصدر عنها، ليس بمقدورها رد الصفعات التي توجه لسياسات دول كبرى ووازنة فيها، بتحويلها لمتلقي إملاءات وشروط إسرائيلية وأمريكية، وتُفضي لبروز خلل جدي في العلاقة التي تحكم معادلتها الإستراتيجية بالقضايا المصيرية، وبافتراق واضح عن مصالح عربية بينية، لا تحكمها العواطف ولا تتحكم فيها التجربة الماضية وحدها، فليس دقيقاً القول إن ما يمس كينونة العرب ووجودهم وهويتهم وقرارهم، قد تخلى عنها الشارع العربي، الذي انشغل في عقده الأخير بالمطالبة بالديمقراطية والتحرر من الاستبداد، ونحن نشهد يقظة الوعي مجدداً بقضية فلسطين وعدالتها على المستوى الدولي، وما بينته الوقائع العربية وإسقاطاته الفجة من قبل القوى الغربية وإسرائيل، أنها قادت لعلاقة مأزومة بين الشارع العربي وأنظمته التي تخسر جوهر القوة الناعمة، إن أرادت امتلاكها والعمل بها طبعاً، لكن للأسف استبدلت بتلقي الخشونة منها بعكس المتوقع والمأمول. عزز العدوان الإسرائيلي على غزة، الخلل العميق الذي يضرب بصورة واضحة وجذرية، مصالح وأهدافا سياسية عربية ثقافية واقتصادية وحضارية للشعب الفلسطيني، والتي تتركز في ميله لانتزاع حريته والتخلص من الاحتلال، بينما يسعى الأخير بدعم أمريكي وغربي فاضح، لتعميق هذا الخلل بضرب مقومات صمود الشعب الفلسطيني وتشويه نضاله ووسمه « بالإرهاب» وتمزيق مظلة حمايته العربية، من خلال إحداث فجوات تطبيع مجاني مع فاشية صهيونية تعمل على إبادة الشعب الفلسطيني، وترفع شعارات طرده من أرضه، وهو مسعى لم يخفه بنيامين نتنياهو بأن القضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني ستفتح آفاقاً أوسع للتطبيع في العالم العربي، وهو ما تسوقه الإدارة الأمريكية على هذا الصعيد، بادعاء الحرص على دولة فلسطينية وإقامة سلام، دون التعمق بتفاصيل ما تبقى من هذه الدولة الموعودة، والمهم هنا ليس ما يقوله نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وعميحاي الياهو وكل خلطة الإرهاب الصهيوني، بل ما يفعله النظام العربي لتبديد هذا الخلل والاهتزار في مصالحه وأمنه. هكذا تدور المواجهة بين الشعب الفلسطيني والمشروع الاستعماري لنظام الفصل العنصري الصهيوني، ودون هزيمته لن تترسخ قواعد سلامٍ وأسس للدولة الفلسطينية، باستمرار النظر للقضية الفلسطينية بوصفها حاجزاً يمكن القفز عنه وبصورة كاملة، بعيداً عن الركائز الأساسية والثوابت الرئيسية لحقوق الشعب الفلسطيني، التي ناضل وضحى من أجلها عقوداً طويلة من الزمن، وما دام الصراع قائماً وأساساته موجودة موضوعياً وذاتياً، والحلول المطروحة منذ أوسلو والى اليوم، لم تعالج جوانب أساسية منه، بل جرى تشويهها وترويضها، وإخضاعها بمنطق الطرف الأقوى، فالحديث عن نهاية المطاف بالقضاء على مقاومة شعبٍ تحت الاحتلال حديثٌ غير علمي ودقيق بشواهد كثيرة. وعليه فإن إبراز القيمة الهائلة لعدالة القضية الفلسطينية، بدحر الاحتلال ومقاومته، وبإعادة الاعتبار للقيم الأخلاقية والسياسية التي تمثلها، على غرار مكانتها المستعادة في شوارع غربية وحول القارات الخمس هي فرصة عربية رافعة، لما فيها من إعادة اعتبار وتقريب للمسافة بين مصالح الإنسان العربي والفلسطيني البديهية.