12 سبتمبر 2025
تسجيلتضج الذاكرة الجماعية الفلسطينية، بطفحٍ هائلٍ من الدم المسفوك لأبنائها وقادتها وأبطالها، واغتيال القائد الوطني اسماعيل هنية "أبو العبد" يضيف لهذه الذاكرة أوجاع عسف عمليات الاغتيال والاستهداف الصهيوني للشعب الفلسطيني وقادته، وتتكثف ذاكرة الدم الفلسطيني في كل محطاته منذ عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني، مروراً بالقافلة الطويلة التي نذكر منها غسان كنفاني وأبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر ومحمود الهمشري ووائل زعيتر وماجد أبو شرار وابو علي مصطفى وأبو جهاد وأحمد ياسين والشقاقي وأبو عمار. بالخسارة الفادحة وبتثبيت الصفة الهمجية والجانب الإرهابي الملتصق بعدو الشعب الفلسطيني، فالعملية الارهابية في طهران التي استهدفت قائداً وطنياً ممارساً لكل ما اقترن بشعارات الانتماء والتواضع، قد نجحت للأسف بالإضافة لخسارتنا الفادحة بالشهيد ابو العبد، اشعرتنا بالمهانة وأصابتنا بالدوار، لأن مدلولاتها تتخطى الخسارة العينية المباشرة، رغم صعوبة اللحظة وفداحة الخسارة. نلاحظ أنه منذ أول عملية اغتيال قام بها العدو الاسرائيلي ضد قيادات فلسطينية وشخصيات ونخب مؤثرة، أنه ينفذ الينا الى عقر دارنا بصعوبة أقل وبخسائر أدنى، والوصول للقادة في المكاتب والبيوت والمخادع أمرٌ لا مكابرة فيه والأمثلة كثيرة، لكن يطرح سؤال لماذا يتكرر ذلك؟ ليس لأن اسرائيل تمتلك امكانات تقنية واستخبارية عسكرية هائلة، وهي تمتلك ذلك فعلا، وليس فقط باستطاعتها اختراق الحواجز والأجهزة والحدود العربية والصديقة، وهي تخترق فعلاً، بل وأيضا لأن ما يقدم لها من فرصٍ على طبق من ذهب بالتراخي عن الحذر والحيطة هو أحد اسباب نجاح العدو بتحقيق أحد أهدافه من وراء عمليات الاغتيال والتصفية للقادة والمقاومين الفلسطينيين. طالما ردد الشهيد أبو العبد أن" الموت علينا حق" وأن قضاء الله سبحانه وتعالى لا راد له، وأن الموت قادم الينا ولو كنا في بروج مشيدة، لا بأس هنا أن يكون القادة عندنا مشاريع شهداء، وهم كذلك في مثال قادة حركة حماس الذين حملوا أرواحهم على أكفهم دون خشية من الموت ولم يتهيبوا التضحية من قادة الصف الأول والثاني الى الكوادر المناضلة، وذلك أمرُ يدعو للإعتزاز والفخر، لكن التساؤل المشروع والمرير لماذا يكون الاغتيال سهلاً الى هذه الدرجة ؟ ولماذا تكون النهاية مأساوية على هذه الصورة، هذا ليس جلداً للذات وتعذيباً للنفس لكنه نقد ذاتي في لحظة صعبة يمر بها الشعب الفلسطيني ومقاومته لتشخيص نقطة ضعف خطيرة، ومن ثم اليست مفارقة عجيبة واقعة الاغتيال لإسماعيل هنية التي قال عنها وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن بأن نهج الاغتيالات السياسية والتصعيد بـ غزة يدفع لتساؤل عن كيفية إجراء مفاوضات فيها طرف يقتل من يفاوضه. العدو القوي والمتفوق نراه دائماَ مشدوداً ومتحفزاً ومستنفراً، لتحين فرصة استرخاء أو طمأنينة من الضحية، والضحية هنا كل فلسطيني يعيش فوق أرضه أو خارجها، والفلسطينيون لم ينتظروا أن يعاملهم عدوهم بحنان أو يقتلهم بلطف أو يمازحهم في ساحة المواجهة، لأن الفلسطينيين وقادتهم في المقاومة لم يختاروا زهد العيش بل اختاروا مصارعة عدوهم والتصدي لفاشيته عن وعي وسابق اصرار، هذا الاختيار جسده كل القادة الكبار الشهداء الذين تضج بهم مسيرة الكفاح الفلسطيني، وأمثولة القائد اسماعيل هنية ورفاقه في حركة حماس وفي الجناح العسكري لكتائب القسام التي تتكلم قليلاً وفعلت كثيراً في " الطوفان" والتي حولت الانفعالات إلى أفعال من تدبير وخطط وتنفيذ بعد كل عملية اغتيال كما هو حال بقية شهداء فلسطين الذين يثرون في حياة أبنائها الإلهام المتجدد والمستمر بالمقاومة. أخيراً، عملية اغتيال اسماعيل هنية، ترتدي قيمة ودلالات خاصة جداً من حيث الزمان أو من حيث الهدف ذاته بأبعاده، ودوافعه ونتائجه المستندة للبنية الأيديولوجية والعنصرية للمشروع الصهيوني بمجموعة عقائد ناظمة تقوم على الضرب الساحق للخصم وتنفيذ إبادته، والتي ترتقي لانعطافة تاريخية تحمل معها أسئلة كثيرة ستثار وتطرح الآن ولاحقاً عن مصير مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة أو منع التصعيد في المنطقة ونحن نشهد عملية شحن تاريخية هائلة تبقي على حالة استنفار روحي وأمني للمجتمع الصهيوني وتبقي على يقظة المتجبر لينقض على استرخاء الضعيف.