20 سبتمبر 2025

تسجيل

شاهد على حكم مشرف

08 فبراير 2023

كان أول تماسٍ لي مع الجنرال برفيز مشرف في اليوم الثاني من اكتوبر 2001 حين قام بانقلابه العسكري. التقيته حينها مع عدد من الصحفيين الباكستانيين والأجانب في مبنى الإذاعة والتلفزيون الباكستاني القريب من القصر الرئاسي والبرلمان والمحكمة العليا، وسط العاصمة الباكستانية إسلام آباد، دام اللقاء ست ساعات، وكان أطول مؤتمر صحفي أحضره في حياتي. أُقفلت أبواب صالة المؤتمر، لينتظر الجميع الرئيس الانقلابي، ومع إلحاح بعض الصحفيين على الخروج من القاعة، ولو لوقت قصير، كان الرد قاسياً وحازماً بحزم الانقلابيين الذين لا يزالون يعيشون لحظة الانقلاب، والتعذر كان بأن الرئيس سيطل عليكم بعد قليل. دخل الرئيس ببزته العسكرية مبتسماً ومنتشياً بنصره على رئيس حكومة مدنية منتخبة أقالها وسجن رئيسها، وربما ابتسامته وانتشاؤه يخفيان ضعفاً حقيقياً في داخله، ضعف المشروعية السياسية الذي سيظل يطارده حتى استقالته عام 2008. بدأ الرئيس الباكستاني الجديد يشرح لنا تفاصيل السياسة الباكستانية، وكنا كصحفيين أجانب ننظر إلى بعضنا مستغربين، ومندهشين، فإن كان الأجانب منا نعرف ما يقوله بتفاصيله، فما حال زملائنا الباكستانيين الذين بدوا أكثر استغراباً منا، ولم ينس الرئيس برفيز مشرف أن يفتتح المؤتمر الصحفي الأول له، وربما الأخير الذي حضرته فيما بعد، لكونه استمر ست ساعات بالكمال والتمام، قال لنا مشرف يومها إن الرئيس الكوبي فيدل كاسترو كان يستمر في مؤتمراته الصحفية لـ 12 ساعة - ولا أدري صحة هذه المعلومة- وأنا أريد منكم ست ساعات فقط. كانت تجربة صعبة عليّ وعلى كل زملائي الصحفيين، ولذا لم أكن حريصاً فيما بعد على حضور مؤتمراته، باستثناء مؤتمر محدود للصحفيين العرب في يوم من أيام رمضان حيث دعانا للإفطار معه، لكننا كنا محظوظين ربما إذ لم يدم المؤتمر لأكثر من ساعتين. كانت فترة حكمه من فترات العواصف الهوجاء التي ضربت باكستان ومن كل أنواع وأنماط العواصف السياسية في صراعه الداخلي مع أحزاب عتيدة وقوية، ونقابات مهنية كنقابة المحامين التي رفضت منحه الشرعية، وظلت تتظاهر ضد في انتفاضة ما سمي بانتفاضة المعاطف السوداء إلى أن أجبرته على الاستقالة عام 2008، وعواصف سياسية خارجية في علاقاته مع أمريكا على الرغم من انحيازه إليها ضد عمقه الاستراتيجي الذي طالما سماه وهو حركة طالبان الأفغانية، لكن ظلت علاقته مع الحليف الأمريكي يشوبها التوتر بسبب الضغوط الأمريكية المتواصلة عليه. هذه الهوجاء والعواصف امتدت حتى إلى الزلزال الذي ضرب باكستان وكان مدمراً عام 2005 وأودى بحياة أكثر من ثمانين شخصاً، والحادثة الأليمة في الهجوم على المسجد الأحمر ومدرسته والذي تسبب في مقتل العشرات من الطلبة العزل، وفوق هذا التوتر مع الهند، وكان التوتر مع أفغانستان بسبب اتهامها بدعم باكستان لمقاتلي طالبان أفغانستان وتنظيم القاعدة، هو الأكثر حضوراً في التعاطي الباكستاني مع العالم كله، والذي دفعت باكستان ثمنه باهظاً من سمعتها في تسليم المئات من المقاتلين العرب والباكستانيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أو من انعكاسات الحرب الغربية على أفغانستان، بحيث انتقلت تداعياتها إلى مناطق القبائل الباكستانية، وهو ما كلفها تدمير كثير من بناها التحتية وتهجير مئات الآلاف من أبنائها. رحل الرئيس الباكستاني برفيز مشرف في دبي بعيداً عن وطنه الذي حلم بالعودة إليه، لكنه حال دون ذلك الحكم الذي صدر بحقه قضائياً وحكم عليه بالخيانة العظمى، وبالقتل، ولعل في هذا عبرة لمن يعتبر.