10 سبتمبر 2025

تسجيل

تنحي السياسة والانحناء للإنسانية

08 فبراير 2023

أكتب لكم هذه اللحظة وأنا بصراحة في قمة الانهيار لكني لا يمكن أن أكون في حال أسوأ من حال أهل تركيا وأهل سوريا من الذين انهاروا فعلا كانهيار المباني على رؤوس أهاليهم وأحبتهم وذويهم وجيرانهم وأطفالهم ونسائهم وكبارهم وصغارهم جراء الهزات الأرضية الارتدادية التي بلغت حتى ساعة كتابة هذا المقال وحتى هذه اللحظة 312 هزة، ومن المؤكد أنها ستتضاعف لحظة نشر هذا المقال وسوف تزيد حتى لحظة قراءتكم له للأسف مجاراة مع عدد القتلى والجرحى الذين تتزايد أعدادهم كل ساعة فبلغت حتى هذه الدقيقة التي أكتب لكم 3432 قتيلا في تركيا و1602 قتيلا في سوريا ليكون المجموع الذي لا أظنه سيقف عند هذا الرقم 5034 قتيلا في البلدين الشقيقين اللذين اصطفاهما الله ليكون الابتلاء بهذا الحجم الذي أودى بآلاف الأرواح لا سيما في مناطق شانلي أورفا وملطية وأديمان وغازي عنتاب وكليس وعثمانية وهاتاي وأضنة وديار بكر التركية بينما ضربت الزلازل القوية مناطق حلب وإدلب وحماة واللاذقية وطرطوس وصولا إلى العاصمة السورية دمشق التي شعر سكانها بالهزة الأرضية لتكون كارثة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى عاشها الشعبان التركي والسوري في نفس اللحظة واليوم والتاريخ والدقيقة والناس نيام يطلبون الدفء من البرد القارس الذي يجمد الدم بالعروق، فإذا بالمباني التي تأملوا بها خيرا أن تحميهم من ثلوج الخارج تنهار على الرؤوس النائمة والساهرة والمستلقية ومن كادت عيونها أن تُغلق لتنام وفي لحظة بات هناك قتلى وجرحى ومكلومون ومترقبون ومتأملون أن يكون من ذويهم من لا يزال يتنفس وعلى قيد الحياة تحت الأنقاض ويسابقون الساعة لعل الله يكتب لهم الحياة من جديد والاجتماع بهم قريبا إذا ما تواصلت عمليات البحث والإنقاذ والإسعاف لمن ينتشلونه حيا منهم ولكن الأمور لا تبشر بأي خير للأسف الشديد فالأخبار التي تتوالى تخبرنا بأن الأعداد من القتلى والجرحى تزيد، وفرص انتشال الأحياء من تحت أثقال المباني المهدمة يضعف شيئا فشيئا أمام انتفاضة العالم بأسره حتى من الذين يختلفون مع تركيا وسوريا سياسيا، لكن أمام هذه المصيبة فالعالم بأسره يقف متأهبا لنداء الإنسانية التي سارعت دول كبرى منها إلى تقديم المعونات والمساعدات سواء مالية أو إنسانية أو لوجستية وفرق إنقاذ تتضمن طواقم مسعفين ومدربين وعسكريين وخبراء في عمليات الإنقاذ وإدارة الأزمات والكوارث وصل حتى هذه اللحظة إلى 14 دولة قدمت مساعداتها الفورية ومنها دولة قطر التي مدت جسورا جوية إلى كل من تركيا وسوريا لمساعدة المتضررين من هذه الكارثة الإنسانية وأعلنت وقوفها ماديا ومعنويا للمساعدة في تجاوز آثارها الكبيرة التي لا يمكن أن تطويها صفحات التاريخ سريعا وسوف يظل الأتراك والسوريون يتذكرون ما حل بهم فجر يوم الاثنين في الخامس من فبراير من عام 2023 وبقيت أكثر من 70 دولة تعد حاويات طائراتها من المساعدات والفرق المجهزة بالمعدات والخبرات للمشاركة في إنقاذ العالقين تحت الأنقاض ممن لا يزالون ينتظرون مكرمة إلهية يمكنها أن تنتزعهم من قاع البيوت المهدمة فوق رؤوسهم العارية بإذن الله وبات مطار أضنة الوجهة التي خُصصت لاستقبال كل هذه المساعدات في تركيا بينما لا يزال الجانب السوري يعاني بصورة أكبر من شح الإمكانيات وقلة المعدات ومضاعفة عدد القتلى والجرحى ممن لا يزالون قابعين تحت الأسقف المهدمة على رؤوسهم التي أمنت فنامت دون أن تتوقع شيئا من حجم الكارثة التي ابتلعتهم في وسط لهيبها وحجمها المخيف وتعاني قلة في الاهتمام الدولي للأسف رغم عدم المفاضلة بالتأكيد بين البلدين فالكارثة واحدة والفقد واحد والألم واحد والوجع واحد والحزن واحد والمأساة واحدة ولذا نرجو من العالم الذي يجب أن يُنحي خلافاته وقضاياه السياسية جانبا أن ينحني لقضايا الإنسانية خصوصا وأن معظم هذه المناطق لا سيما ريف حلب وريف إدلب تضم النازحين السوريين والهاربين من بطش النظام السوري الذي لم يحرك ساكنا تجاه بعض المناطق المتضررة التي تقع تحت سيطرة جيشه وقواته رغم الكارثة وأن يسارع في تضميد الجراح لإخوتنا في تركيا وسوريا وإن كان من المستحيل أن تلتئم سريعا ولا بعد عقود من الآن.