20 سبتمبر 2025
تسجيليتفق الكثيرون على أن لحظة أوكرانيا حاسمة في تقرير مدى تقدم أو تراجع نموذجين متباينين في العالم، أنموذج الحكم الاستبدادي الأوتوقراطي بقيادة روسيا ومعه الصين وكوريا الشمالية، وأنموذج غربي ليبرالي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، وبغض النظر عن المواجهة المسلحة بين الغرب والشرق بسبب الأزمة الأوكرانية، إلاّ أنه بالتأكيد فإن المواجهة المسلحة وما ستفرزه من نتائج ستنعكس على النموذجين سلباً وإيجاباً، تقدماً وتراجعاً، فخروج روسيا أو الغرب بقيادة أمريكا من التصعيد في أوكرانيا منتصر سياسياً، سيعزز حلف أحدهما مع شركائه. كلا الفريقين ينظران إلى هذه اللحظة على أنها مهمة في تحديد مستقبل مصيرهما، خصوصاً وأن النموذج الغربي تعرّض لهزات كبيرة في مشروعه، إن كان في تخليه عن الثورات العربية التي هتفت بالحرية والاستقلال، فخذلها النموذج الغربي، مما عنى خذلاناً لنموذجه نفسه، حين وقف مع المستبدين أو صمت عن جرائمهم كحال سوريا، فصمت عن استخدام النظام السوري لـ 330 مرة سلاح الكيماوي ضد شعبه، مما جعله يتماهى تماماً مع الموقف الروسي والصيني، ففقد بذلك المشروع الغربي جاذبيته، والتفاف الشركاء والمعجبين به سابقاً حوله، فانفض البعض عنه، وشكك آخرون في جدوى دعمه، ومساندته، بينما رأينا النموذج الروسي والصيني وشركاءهما قد وقفوا بالكامل مع أنظمة الاستبداد، وحذروا الغرب من أي دعم للثورات الملونة، كما يسميها بوتين، ولم يتوان للحظة في إرسال قواته لسحق انتفاضة قزاقستان خلال ساعات، وسط صمت غربي مطبق، جعل الاستبداد العالمي ينظر بإعجاب إلى روسيا، وبسخرية وهزء وابتعاد عن الغرب وأمريكا، مما جعل النموذج الاستبدادي يتقدم على حساب النموذج الغربي. النموذج الغربي تلقى ضربة قاتلة بانسحابه من أفغانستان، والتي نظر إليها البعض على أنها هزيمة وتراجع أيديولوجي وليس هزيمة عسكرية فقط، لاسيما مع تخلي الغرب وتحالفه المكون من 38 دولة بقيادة أمريكا في أفغانستان عن كل ما بذله واستثمره في أفغانستان، من دماء وأموال، الأمر الذي جرّأ الكل على الغرب، ودفع بالاستبداد إلى الأمام، فزاد من حلفائه وشركائه، خصوصاً مع وقوفه مع الاستبداد في العالم العربي بكل ما يملك من قوة عسكرية وغير عسكرية. الغرب المشتت، المفرّق في صفوفه اليوم، يواجه مشكلة قيادة، ويعاني بالمقابل من فقر رجال الدولة الحقيقيين، المستعدين لاتخاذ قرارات مصيرية، كما كان عليه الأمر خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، فالرئيس الأمريكي أو الفرنسي وغيرهما من رؤساء الغرب اليوم إنما يعنيهم مصير التمديد له في دورة انتخابية جديدة، ولذا فهو ليس مستعداً لخسارة شعبيته، من أجل قضية أوكرانيا وغيرها، بينما حلف الاستبداد لا يعنيه ذلك كله، فالرئيس والحاكم ليس بحاجة لعقد انتخابات، ما دام ممسكاً بالسلطة، وممسكاً معها بكل الأجهزة العسكرية والأمنية والاقتصادية والإعلامية وغيرها من أجهزة متناغمة تماماً معه ومع فردانية بالحكم، أما في حال النظام الديمقراطي الغربي الذي يحتوي على مراكز ثقل كثيرة، ومتعددة، ولوبيات ضغط مختلفة، فإن ذلك يحول دون اتخاذ قرار سريع وحاسم كحال حلف الاستبداد. على الصعيد الإعلامي ثمة فرْق كبير بين تعاطي الحلف الغربي الديمقراطي، والحلف الاستبدادي، ومن بينه روسيا اليوم، ففي الحالة الأولى هناك انفتاح كبير على صناعة القرار واتخاذه، مما يشكل فرصة كبيرة للخصم في التعرف على منافسه، بينما حلف الاستبداد منغلق تماماً على نفسه، ولا يمكن أن تصدر أي معلومة أو تحليل بعيد عن السياق الحكومي المعروف، لاسيما في ظل سيطرة الحكومة والاستبداد على وسائل الإعلام وتحكمه حتى بوسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يمنحه ميزة السيطرة على التسريبات، وميزة التحكم باتجاهات الرأي العام، والاختراق السيبراني والتضليل الإعلامي الذي اتسم به الحلف خلال الفترة الماضية، وتجلى ذلك بوضوح خلال تدخله في نتائج الانتخابات الأمريكية والغربية بشكل عام، والتلاعب بنتائجها.