14 سبتمبر 2025

تسجيل

أوراق أخرى بعيدا عن مجلس الأمن الدولي

08 فبراير 2012

انتهى التصويت في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة بشأن الأزمة في سوريا، باستخدام " الفيتو" من قبل روسيا والصين، فرح النظام السوري المرتبك لأنه يظن أن أي دعم له من شأنه أن يطيل في عمره، وانزعج العرب والغرب الذين قدموا مبادرتهم للمجلس أو تبنوها من الموقفين اللاأخلاقي واللاإنساني لموسكو وبكين، كما كانت خيبة أمل كبيرة للمعارضة التي كانت تأمل أن ينصفها المجتمع الدولي والعالم الحر، وأن يكون أداة ضغط على نظام دمشق كيلا يواصل ذبح شعبها الأعزل، وارتكاب مزيد من المجازر ـ كما حصل ويحصل في حمص وريف دمشق في الأيام الأخيرة ـ وخطوة من أجل دفع الأسد للتنحي عن الحكم. لكن هل ما حصل نهاية المطاف للشعب السوري ومعارضته في مواجهة النظام وحلفائه الدوليين؟ وكيف يمكن أن يكون التحرك القادم على الساحتين: الداخلية النضالية، والخارجية السياسية الدبلوماسية؟ صحيح أن على الشعب السوري وأحزاب المعارضة والمتعاطفين معهم عربيا أن يتحركوا في ساحة الدبلوماسية الدولية واستثمار المنظمات الدولية والأممية وأي جهد عالمي لصالحهم من أجل لجم النظام السوري الهائج المنفلت من عقاله، ولكن عليهم في الوقت نفسه أن يدركوا أن ما حصل قد يكون فيه خير من حيث لا يدرون " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، وألا ينصبّ جهدهم وتنحصر وجهتهم في مجلس الأمن لمحاولة إعادة الكرة مرة أو مرات أخرى لتليين أو تعديل الموقفين الروسي والصيني وتقديم مزيد من التنازلات لهما. ما حصل وإن بدا في ظاهره جولة خاسرة للشعب السوري والمعارضة التي تقف معه في خندق واحد والشرفاء من الأنظمة والأحزاب والمنظمات والشعوب العربية والإسلامية فإن في باطنه خير كثير إن شاء الله، لعل من أهم ذلك: ـ فضح الأنظمة الدولية التي تنحاز لنظام قاتل لشعبه، وتتاجر أو تسمسر بدماء أبرياء عزل وتقايض ذلك بمصالح ضيقة، في لحظة تاريخية فارقة للنضال الإنساني، وسقوطها أخلاقيا على رؤوس الأشهاد أمام العالم أجمع، ملتقية بذلك مع مواقف أنظمة إقليمية تنطلق من حسابات خاصة وأجندات ضيقة الأفق، ولعل أكبر الداعمين للنظام السوري أو الراغبين ببقائه وعدم رحيله كما بات واضحا هم: روسيا، الصين، إيران وإسرائيل، حتى تتمايز المواقف وتتمحص الصفوف، وكيلا تستمر عملية الانخداع بأنظمة كانت ولا تزال تتدثر بعباءة المقاومة أو نصرة المظلومين أو الوقوف إلى جانب تحرر الشعوب. ـ تركيز الجهود والتعويل على القدرات الداخلية وتطوير الفعل النضالي للشعب السوري، حيث إن كثيرا من الطاقات لم تنخرط بعد في هذا الفعل، وكثيرا من نقاط القوة لم توظف كما ينبغي. إن التحرك القادم ينبغي أن يتم من خلال ما يلي: ـ على مستوى الساحة السورية الداخلية من خلال دعم جملة أمور من أهمها: توسيع بؤرة الحراك الشعبي في دمشق وحلب اللتين بدأت حركة الاحتجاج فيهما تتسع شيئا فشيئا في الأسابيع الأخيرة، وتشجيع آليات برامج "العصيان المدني" التي أعلنت التنسيقيات أنها ستشرع فيها قريبا، ودعم الجيش السوري الحر، حيث كشفت الأحداث الأخيرة قرب دمشق وفي حمص وأدلب أنه أربك حسابات النظام رغم محدودية قدراته. ـ على المستوى العربي الرسمي من خلال: تفعيل العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية العربية، وطرد سفراء النظام السوري، والاعتراف بالمجلس الوطني السوري، ودعم المعارضة السورية وتحركها السلمي وفعالياتها في الساحات العربية، وتخفيض علاقات التبادل التجاري مع الصين وروسيا، وهنا لا بد من الإشادة على سبيل المثال لا الحصر بسحب السعودية ودول الخليج والمغرب والأردن لمراقبيها في إطار الجامعة العربية، وطرد حكومة تونس للسفير السوري من أراضيها احتجاجا على مجزرة حمص الأخيرة. ـ الرد على الفيتو الروسي ـ من قبل الأنظمة العربية والمعارضة السورية ـ بطريقة مختلفة ليس منها مواصلة استجداء موسكو مقابل تقديمها لتنازلات ـ ستكون هامشية ـ وتتضمن اللعب على أوراق قوتنا ومنها فتح خطوط داعمة لنا من خلال مسلمي روسيا الذين يرتبطون بنا في العقيدة الواحدة، وخطوط أخرى مع المعارضة الروسية من طلاب الحرية والكرامة الإنسانية للاشتراك في حملة إسقاط بوتن في انتخاباته القادمة، وتنظيم فعاليات من قبلها تندد بمواقفه الخارجية التي تضر بمصالح بلادهم، والبحث عن حلول دبلوماسية أخرى خارج مجلس الأمن ومنها التعاون مع مجموعات الاتصال بسوريا والتي تحدثت دول غريبة عن اعتزام تشكيلها. ـ على المستوى العربي الشعبي: الوقفات الاحتجاجية الشعبية الجماهيرية والنقابية أمام السفارات السورية والروسية والصينية والإيرانية، إقامة المظاهرات والاحتجاجات على مذابح وعنف النظام، ومقاطعة البضائع الصينية والروسية، وتعزيز التعاون مع المعارضة السورية المتواجدة على أراضيها. وهنا لا بد من الإشادة بمواقف حراك من هذا النوع أو ذاك يتم في مصر والأردن والكويت وتونس وليبيا والبحرين وغيرها، ومنها دعوة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي والإخوان المسلمين في الأردن لمقاطعة البضائع الصينية والروسية. مجلس الأمن لن يكون نهاية المطاف، والأوراق التي بيدنا مع الصبر والمصابرة والمثابرة في سوح النضال الجماهيرية في الشارع، وفي الساحة السياسية الدولية كثيرة، وما علينا سوى التحرك بديناميكية، والثقة بأن النظام زائل طال الزمن أم قصر.