11 سبتمبر 2025

تسجيل

هل فرعون موسى مات مؤمنا؟

08 يناير 2015

يحلو للبعض أن يأخذ بظاهر النصوص، ولاسيَّما من ليس من أهل العلم، فيقرر ما يشاء، ويقول على الله وفي كتاب الله بغير علم ـ وهو محرم - يقول بعضهم لقد آمن فرعون موسي ومات مؤمنا بدليل قوله تعال "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[1].. وأقول وبالله التوفيق، مما يؤيد ما أجمع عليه علماء المسلمين الأعلام من أن الله تعالى سلك فرعون موسى في عداد المجرمين بسبب جحودهم وإجرامهم، وما أنزله بهم من العقوبات كان نكالا لهم وعبرة لغيرهم، وهذه شهادة قاطعة، ممن لا أصدق منه قيلا، ولا أصدق منه حديثا - جل مذكورا وعز مرادا، وهو الذي يعلم السر وأخفى،"وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا"[2]، فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ"[3]، "قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ "[4]، قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا"[5]، قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا.".[6] وإليك ما جاء في هذه الشهادة قال تعالى "وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ*وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"[7]. في هذه الآيات: دلالة صريحة على أن فرعون استمر على كفره مدى عمره حتى آخره، فما انفك عن الكفر وقد قرنه الله تعالى بعاد وثمود وقارون وأخبر بما أنزله بهم من العذاب فكيف يزعم أحد بإيمان فرعون والله تعالى يصرح بأنه أغرقه عقابا له على كفره وبغيه وظلمه، في آيات العنكبوت الآنفة وثانيا في الحاقة "وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً"[8]، فقد رتب الله أخذهم على عصيانهم ليدلنا على أن عصيانهم كان العلة في عقوبتهم واستئصال شأفتهم، وذلك لإصرارهم على الكفر ومن سنن الله ألا يهلك الأمم بعقاب ماحق ساحق إلا إذا أصروا على الكفر وأجمعوا على تكذيب الرسل، والقرآن صريح في ذلك، وعودة إلى الآيات التي استدل بها من قال بإيمان فرعون ففيها البرهان على كفره أيضا ومن سنن الله تعالى أن من عاش على شيء مات عليه، لقد عاش فرعون موسى يدعي الألوهية، "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ[9]. وادعى أنه الرب الأعلى "فَحَشَرَ فَنَادَى* فَقال إنا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى"[10].. وتكون مشيئة الرب الأعلى الحق أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر، ويجعله عبرة للأولين والآخرين ثالثا في النازعات "فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى"[11]. مع اعتقاده السابق بألوهية نفسه، لا يُصدق في زعم الإيمان وهو يصارع الموت والموت يصارعه، ويكافح الموج والموج يلطمه، وقد أيس من النجاة وتراءى له شبح الموت المزعج، وعرف أنه أشرف على الطريق التي تنتهي به إلى عذاب الحريق فماعتم أن قال ".. آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[12].. رابعا هنا في آيات يونس: أرأيت لم يصرح بالإيمان عن معرفة وإذعان ويقين وعلم صادر عن دليل ساطع وبرهان قاطع، وإنما قال ما قال تقليدا لما كان يسمعه من بني إسرائيل فلا يعرف الإله الذي آمن به بنو إسرائيل حق المعرفة، وإلا لقال آمنت أنه لا إله إلا الله، وهي أخصر من عبارته وأنسب بحال غرقه، فلم يصدر قوله عن اقتناع بما يقول بل صدر تحت تأثير اليأس من الحياة في وقت لا تنفع فيه التوبة، ووقت "لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا"[13]، فهو إيمان اضطراري لا اختياري، ولو شاء الله تعالى ذلك الإيمان من الخلق كافة لفعل: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ "[14] "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا"[15]" وماذا عساه يُجدي التلفظ بكلمات الإيمان والتوحيد والقلب موحل بالشرك غارق بنتن الرجس، خاصة ممن أعلمنا الله جل في علاه بأنه من ألد أعدائه "فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ[16]، لقد كان ذلك منه خداعا، فقد ادعى الاستسلام تحت تأثير الموت الداهم ولذا قال تعالى له توبيخا وتقريعا "آلْآنَ" [17] تُؤمن حين يئست من الحياة وأيقنت بالممات، "وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ" طواعية واختيارا فكذبت رسولي، وعذبت عبادي وأسرفت في الأرض بغيا وعدوا وادعيت لنفسك ما هو من خصائص الألوهية الحقة، "وكنت من المفسدين "أي المغالين في الضلال والإضلال للغير "وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى"[18] "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ "[19] أي نخرجك مما وقع فيه قومك من أعماق البحر ونجعلك طافيا عليه ببدنك عاريا عن الروح ""لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً"[20] أي علامة وحجة لمن بقي بعدك من بني إسرائيل على صدق موسي فيما أخبرهم به من هلاك عدوهم "عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ"[21] وعلامة وحجة للأمم على مر التاريخ والعصور أن الإنسان وإن بلغ الغاية القصوى من عظم الشأن وقوة السلطان وعلو الكبرياء، فهو مملوك مقهور بعيد عن مظان الألوهية والربوبية، "وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ "[22].. كثير من الناس لا يتفكرون ولا يعتبرون في آيات الله ومن مجموع هذه النصوص ودراستها أجمع العلماء سلفا وخلفا على القول بكفر فرعون موسى وموته كافرا، وكل من خالف هذا الإجماع فقوله باطل، لا يُلتفت إليه؛ لأنه مصادم للنص القاطع وشاذ عن الإجماع الذي هو من أقوى الحجج القطعية.. هذا، وبالله التوفيق، ونعوذ بالله من الخزي والخذلان.