31 أكتوبر 2025
تسجيلللإعلام دور مهمّ في تعزيز اللغة العربية لدى الأطفال والناشئة والشباب، سواء تمّ ذلك من خلال الصحف والمجلات أو المواقع الإلكترونية أو الإذاعة والتلفزة.يدفعني للحديث عن هذا الموضوع التجهيز الجاري للنسخة العربية الجديدة من برنامج الأطفال الأشهر: "افتح يا سمسم"، حيث يتوقع بثه بحلّته الجديدة في النصف الثاني للعام الحالي، بعد توقف دام لأكثر من ثلاثة عقود، ويضاف إلى ذلك حدث آخر على مستوى دولة قطر تمثل في تدشين فعاليات الضاد من قبل الحي الثقافي "كتار" للعام 2015، كبرنامج متكامل من ضمنه مجلة للناشئة باسم "الضاد". في الأسبوع الماضي عرّجت على الموضوع بشكل موجز جدا ضمن مقال عن استعادة المكانة اللائقة للغة العربية في حياتنا، بالنظر إلى أن اللغة العربية لا تزال تشكو من تقصير أبنائها تجاهها على أكثر من صعيد، رغم أنها مكوّن مهمّ لهويّتهم الثقافية وشخصيتهم الحضارية. التعزيز الذي يمكن لأجهزة الإعلام ومن في حكمها كشبكات التواصل الاجتماعي الاشتغال عليه في ما يخص لغتنا العربية الشريفة يتعلق بجوانب متعددة:ـ التمكّن من الفصحى قراءة وكتابة وتحدثا، ويتضمن ذلك تذوق السماع، والنطق بشكل صحيح، سواء لجهة التشكيل أو مخارج الحروف، وإجادة الكتابة سواء لجهة الصياغة الصحيحة بعيدا عن الركاكة، والسليمة من الأخطاء النحوية والإملائية. ـ تذوّق اللغة العربية وجمالياتها المختلفة، وهي مصاحبة وتالية لإجادة العربية نطقا وقراءة وكتابة، وتؤدي إلى عشق اللغة والتعلق بها والتلذّذ بها، وتقود إلى الكتابة الإبداعية وحبّ القراءة والمطالعة بلسانها، والتبحر فيها بصورة أكبر، والاعتزاز والافتخار بها.ولعلّ من هم اليوم آباء يتذكّرون كم كان أثر برنامج "افتح يا سمسم" عليهم كبيرا في طفولتهم (سن الطفولة المبكرة)، حيث تختزن ذاكرتهم عددا من المواقف الطريفة التي يزخر بها هذا العمل، فيما يردد كل منهم أغنية البرنامج الشهيرة، ونشيد أحرف الهجاء التي حفظ معظمهم حروف اللغة العربية بفضلها، وباختصار فقد جعل البرنامج من العالم العربي شارعا في قرية يقطنه كل طفل وطفلة من أبناء الوطن من المحيط إلى الخليج.ونفس الشيء يقال عن برنامج "مناهل" الذي عرض على التلفزيون الأردني وتوقف أيضا مع الأسف الشديد، كما يمكن أن يقال عن بعض برامج ومسلسلات قناة "ج" للأطفال في قطر. هذه البرامج وهذه القنوات لها دور كبير في تعزيز اللغة لدى الأجيال الصاعدة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بناء على المحورين السابقين، ولكن يظلّ ذلك نادرا جدا وسط كمّ كبير من الغثاء الذي يقدّم عبر وسائل إعلام للأطفال أو تهتم بهم. بين لغة محكية "عامية" أو لغة عربية مكسّرة ركيكة بسبب ضعف القائمين على هذه البرامج والمجلات باللغة العربية، بقواعد اللغة وعدم تمكنهم من التعاطي السليم معها أو تذوقها، أو مترجمة بصورة غير لائقة، فضلا عن ضعف المضمون. لا تكفي الغيرة على العربية من بعض القائمين على مجلات الأطفال ووسائل الإعلام الموجّهة والمتصدرين للمشهد الثقافي لإصدار إنتاج إعلامي يكون مؤثرا في تعزيز العربية، بل لابدّ أن يراعي هذا الإنتاج جملة أمور، لعلّ أهمها: ـ أن يكون مندرجا تحت مظلة إستراتيجية لغوية يشترك في وضعها ممثلون عن وسائل الإعلام والتربية والتعليم وكتّاب الطفل والمجامع اللغوية والجامعات، بحيث تكون طويلة الأمد لتزويد الطفل بزاده اللغوي الذي يزيد انتماءه لحضارته وأمته.ـ توفير الكوادر المدّربة القادرة على القيام بأعباء العمل الإعلامي المبدِع المخصص للأطفال، مع الأخذ بعين الاعتبار، كفاءتهم اللغوية والأدبية.ـ اعتماد لغة وسطية جميلة وسلسلة تتجنب اللهجات المحكية الدارجة أو العربية الركيكة، كما تنأى بنفسها عن المفردات العربية المتقعرة التي قد تنفّر الطفل أو تشعره بالغربة عن لغته.ـ تجنب حصر الاهتمام باللغة العربية بالتراث القديم فقط والأساليب المباشرة (مثل قل ولا تقل، والتعريف بكتب اللغة وعلمائها الأقدمين)، بل لابد من ربطها بالحاضر المعاش، كمعالجة سبب عزوف الناشئة عنها وعن استخدامها في الأجهزة الذكية وشبكات التواصل أو أثناء الأحاديث الشفهوية. ـ تقديم البرامج والمواد التي تعنى باللغة (المباشرة أو غير المباشرة منها)، وتذوقها بأساليب جذابة ومشوقة، واختيار أفضل أساليب وطرق العرض والمعالجة عند إنتاجها وتصميمها، وإنتاج قصص ومواد تعنى بثراء القاموس اللغوي للطفل والشاب، وتحبيبه بجماليات لغتنا العربية. إن لغتنا، اللغة العربية، تقبع في مأزق خطير، وتعاني غربة بين ناشئتها وشبابها، لما تعانيه من الإهمال والتقصير، لذا لابدّ أن تولي أجهزة الإعلام والصحافة المطبوعة والإلكترونية، وخصوصا ما كان منها مختصا بعوالم الطفولة والشباب، اهتماما كبيرا بها، وعليها أن تتذكر أن كثيرا من الأفكار الجميلة إذا لم نحسن تقديمها ومعالجتها تفقد بريقها وجاذبيتها، ولا تحقق الأهداف التي وضعت من أجلها، وبالتالي تنعدم أو تتضاءل فرص تأثيرها.