13 سبتمبر 2025
تسجيلهب أنك كنت تمشي في طريق فلحقك غلام صغير وبيده محفظة وقال لك بكل أدب: سيدي سقطت منك هذه المحفظة، تفضل خذها، هب أنك بعد أن ابتسمت له فرحا سعيدا بمحفظتك التي عادت لك مددت يدك لمحفظتك وأردت ان تكرم الغلام فتعطيه بعض النقود، هب أن هذا الفتى الصغير تغيرت ملامحه واحمرت وجنتاه من الغضب وقال لك: ومالذي فعلته حتى آخذ منك نقودك، أدائي للأمانة واجب وهل كنت أملك إلا أن أعيدها لك، لا يا سيدي لا آخذ على إعادة الحقوق لأصحابها أجرا.ترى، كيف تتوقع أن يكون شعورك في تلك اللحظة؟هب أنك كنت تمشي في الطريق فتعثرت خطواتك وسقطت، فإذا بفتى صغير يترجل من السيارة بعد أن أمر السائق بالوقوف، هب أنه اقترب منك وساعدك على النهوض، ولما وجدك غير قادر على الحركة بسهولة أصر على أن يأخذك بنفسه إلى الطبيب دون أن ينتظر سيارة الإسعاف. هب أنك رأيته يحمل جواله ويبلغ أباه بأنه مضطر للذهاب للمستشفى حيث يصطحب معه في السيارة رجلا تعرض لحادث في الطريق.هب أنه أصر على مرافقتك لغرفة التمريض، وبعد أن اطمأن إلى حضور أفراد من عائلتك حياك بأدب، وقبل أن ينصرف تمنى لك سرعة الشفاء وتمامه.ترى كيف سيكون شعورك تجاه هذا الفتى النبيل؟هب أنك كنت تمضي في الطريق وأثناء محاولاتك غير المجدية للعثور على تاكسي كان هناك فتى صغير السن يتبضع من محل بقالة راقب انهماكك في البحث عن سيارة أجرة دون جدوى، فاقترب منك وقال لك بأدب جم: تفضل يا عمي لدي سيارة ويسرني أن أصطحبك معي إلى حيث تريد.ترى ما تصورك لردة فعلك وقد انبرى هذا الفتى النبيل ليخفف عنك وطأة انتظار سيارة أجرة عز نيلها في ظهيرة يوم حار؟هب أنك كنت تمشي في الطريق وثمة قطة تموء أضعفها المرض وأوهى خطوها الضعف، كان في الناصية الأخرى من الشارع فتى صغير شعر بها وطواعية وبدون أن يطلب منه أحد التصرف تجاه القطة أمسك جواله، وطلب خدمة رعاية القطط الشاردة، ودلهم على مكان القطة وأوصاهم بها خيرا وشدد في الوصاية.ترى كيف سيكون شعورك حينها والكبار كل الكبار كانوا يمرون بها ولا يعيرون لها أي بال؟!!هب أنك كنت تمشي في الطريق وثمة شيخ كبير يريد أن يتجاوز الشارع غير أن شدة تدافع السيارات منعته من القدرة على المشي فوقف حائرا لا يدري كيف يعبر ولا متى ولا في أي ظرف وحين؟!وبينما ترمق حائرا نظرات الشيخ الكبير انبرى غلام صغير وبكل ثقة أمسك بيد الشيخ وساعده على العبور وأوصله إلى النقطة التي يريد. كيف تتصور أن يكون شعورك وأنت ترى هذا الفتي النبيل وقد بادر بالمساعدة بينما اختار الكبار أن ينصرفوا عنه لشؤونهم الخاصة؟!!كل تلك المواقف المتوالية شكلت دون شك عقدا منتظما لسلوكيات حميدة قام بها شباب صغار أجادوا التصرف في المواقف الإنسانية وتقدموا بثبات للعون والمساعدة دون أن يطلب منهم أحد القيام بأي شيئ.نعم تلك المواقف الحميدة تثير الإعجاب والتقدير دون ريب لكن السؤال الأجدر بالطرح هنا هو: من يقف وراء تلك الأخلاقيات والمواقف العالية الأثر والقدر؟نعم من وراء هذا السمو والنبل، من ربى تلك النفوس، وأضاء تلك العقول، وأوقد بها قناديل الخير والهداية؟إنها التربية الجيدة ولا شك، التربية على الواجب والمسؤولية وحب الخير ورعاية المحتاجين.التربية على مكارم الأخلاق، وقوة الضمير، والشعور بقيمة العطاء والمشاركة وكونها برهان على الصلاح والهداية.التربية التي تلقاها هؤلاء الفرسان الصغار الذين بادروا طواعية للقيام بما يجب القيام به لأنهم لم يتعلموا سوى أن يعيشوا للواجب وليس أن يعيشوا على هامش الحياة.هؤلاء الفرسان الصغار تعلموا منذ نعومة أظفارهم من خلال بيئة الأسرة أن المبادرة بفعل الخير دليل على نقاء النفس وقوة الضمير.تعلم هؤلاء الفرسان الصغار أن الجمال ليس بأثواب تزين الإنسان إنما هي بأفعال كريمة تمنح الحب والتقدير للآخرين.ليس الجمال بأثواب تزينناإن الجمال جمال الخلق والأدبهكذا تربى هؤلاء في بيئة أسرية حقيقية ليس فيها للأبهة الكاذبة مكان، وليس فيها ادعاء ومفاخرة واستعلاء على الإنسان بل هو الخلق الجميل مع الخدم والسائقين، مع المزارعين والمستخدمين، مع الفقراء والأغنياء على حد سواء.لقد تعلم هؤلاء أن الإنسان مقدر بذاته لإنسانيته لكونه إنسانا أما الدرجات الدنيوية فهي لا تضيف له إلا بمقدار نبله وترفعه عن الرزايا وكل ما يخدش المروءة والقيم.إغاثة الملهوث دين، وتقديم الخدمة للمحتاجين خلق، وأعمال المعروف تقي مصارع السوء. فهم هؤلاء الأشبال الصغار، منحوا الإنسانية من ألق قلوبهم ما أضاف للحياة جمالا وبهجة وخيرا.وإلى لقاء يتجدد بكم بإذن الله.